الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن عمل عملا سيئا وامتد أثره من بعده كان عليه وزره ووزر من اتبعه، كما في الحديث: ومَنْ سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا. رواه مسلم.
وقال الله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ {النحل:25}.
وقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {يس:12}.
قال ابن كثير: أي نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فنجزيهم على ذلك أيضًا، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، كقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومَنْ سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا ـ رواه مسلم. اهـ.
وقال الزمخشري في تفسيره: ونكتب ما قدموا وآثارهم ـ ونكتب ما أسلفوا من الأعمال الصالحة وغيرها وما هلكوا عنه من أثر حسن، كعلم علموه، أو كتاب صنفوه، أو حبيس حبسوه، أو بناء بنوه ـ من مسجد، أو رباط، أو قنطرة، أو نحو ذلك ـ أو سيئ، كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين، وسكة أحدث فيها تخسيرهم، وشيء أحدث فيه صدّ عن ذكر الله ـ من ألحان وملاه ـ وكذلك كل من سنة حسنة أو سيئة يستن بها ونحوه، قوله تعالى: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ ـ أى: قدّم من أعماله، وأخر من آثاره. انتهى.
وبهذا تعلم أن الأمر جد خطير، وأن على المسلم أن يتوقى ارتكاب الذنوب كلها، ولا سيما التي لا ينقطع عنه إثمها ويضاعف وزرها عليه كلما ضل بها ضال تأثر بدعوة الباطل أو الاقتداء بأهل الباطل، ولكنه لا يكتب على هذا الذي سن السنة السيئة إلا مثل عمله، كما دل عليه قوله: مثل آثام ـ ولو أن الشخص الثاني كفر باستحلال المعاصي فلا يقع الكفر على الأول إذا استحل الشخص الثاني أمرا ما، ولو أن متبرجة أثارت شخصا ما فزنا بامرأة أخرى فلا تعتبر المرأة الأولى زانية ولا يقام عليها الحد.
وننبه على أن فاعل السيئة لو تاب إلى الله تعالى، فإنه لا يحمل وزر من تبعه، فقد نص العلماء على أن من تاب من ذنب بعد أن تعاطى سببه، فقد أتى بما هو واجب عليه، وإن بقي أثره، كمن رجع عن بث بدعة بعد أن كثر أتباعه فيها، وإلى هذا أشار صاحب مراقي السعود بقوله:
من تاب بعد أن تعاطى السببا فقد أتى بما عليه وجبا
وإن بقي فساده كمن * رجع عن بث بدعة عليها يتبع.
والله أعلم.