الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنيزك إما أن يكون هو الجزء المتبقي من الشهاب، وهو ما يصل إلى الأرض منها. أو هو نوع من الرجوم يقابل الشهب.
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب التوحيد: قال العلماء في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} أي: جعلنا شهابها الذي ينطلق منها; فهذا من باب عود الضمير إلى الجزء لا إلى الكل. فالشهب: نيازك تنطلق من النجوم. وهي كما قال أهل الفلك: تنزل إلى الأرض، وقد تحدث تصدعا فيها. أما النجم فلو وصل إلى الأرض; لأحرقها. اهـ.
وقال الطاهر بن عاشور في (التحرير والتنوير): الشهب: جمع شهاب، وهو القطعة التي تنفصل عن بعض النجوم فتسقط في الجو أو في الأرض أو البحر، وتكون مضاءة عند انفصالها، ثم يزول ضوؤها ببعدها عن مقابلة شعاع الشمس، ويسمى الواحد منها عند علماء الهيئة نيزكا. اهـ.
وقال عند قوله تعالى: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات: 10].
قال: الشهاب: القبس، والجمر من النار. والمراد به هنا ما يسمى بالنيزك في اصطلاح علم الهيئة. اهـ.
وكذا قال الشيخ أبو بكر الجزائري في حاشية نهر الخير على تفسيره.
وقال الدكتور محمد سميح الخبير الجيولوجي، والمدير السابق لهيئة المساحة الجيولوجية المصرية، في كتاب (القرآن وعلوم الأرض) تحت عنوان (الشهب والنيازك): الشهب Meterors أجسام من أحجار سماوية تهيم في مسارات غير منتظمة، وتتخلل المجموعة الشمسية كلها، يرجم بها الله جلت قدرته كل شيطان جدير بالرجم، وأثناء تجوال هذه الأجسام، يقع بعضها في مجال الجاذبية الأرضية، ويكون لها ضوء باحتكاكها بغلاف الهواء الأرضي مع السرعة الفائقة في اندفاعها، ويمكن رؤية هذا الضوء مثل السهم المنير أثناء الليالي الصافية. وتصطدم بعض الشهب بسطح الأرض، وتعرف حينئذ بالنيازك ..Meteorites. اهـ.
ونقل الدكتور مصطفى مسلم في حاشية كتاب (مباحث في إعجاز القرآن) عن الدكتور جمال الدين الفندي في كتابه (من روائع الإعجاز ص 52): النيزك كتلة صلبة تخترق الغلاف الجوي وتصل الأرض، أما الكتل التي تحترق في الغلاف الجوي للأرض بفعل الحرارة الناتجة عن دخول الغلاف الجوي فتسمى شهبا. وقد أمكن للآن التعرف على مائة نيزك، أما الشهب فهي كثيرة جدا تشاهد كل ليلة. اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة: كيف نوفق بين الدين والعلم في أمور ظاهرها التعارض بينهما، فمثلا عرفنا في الدين: أن النجوم خلقت لثلاثة أشياء: خلقت زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وجعلت علامات يهتدى بها، وقرأنا في الجغرافيا: أنها مجموعة أجرام لها نظام معين في الدوران، وأن ما نشاهده ليلا يحترق ويسقط، إنما هو نيازك وشهب تخرج من جاذبية إلى جاذبية الأرض، فتحترق وتسقط بسرعة 45 ميلا في الثانية ؟
فأجابت بذكر نصوص القرآن في هذا الجانب ثم قالت: ومن نظر في هذه الأخبار وجدها واضحة في بيان بعض خواص النجوم وفوائدها، وليس فيها ما يدل على حصر فوائد النجوم ومزاياها في الأمور الثلاثة التي ذكرت فيها، كما أنه ليس فيها ما يدل على حصر الشهب التي نراها فيما ترجم به الشياطين من شهب النجوم ويرمى به مسترقو السمع منهم، كما أنه ليس فيها تعرض لشهب أخرى نفيا أو إثباتا، يعرف ذلك من درس لغة العرب وعرف ما في أساليبها من أدوات القصر التي يضمنونها كلامهم لإفادة الحصر والدلالة عليه. فإذا ثبت في العلوم الكونية أن هناك حجارة وأجراما منتثرة في الجو، وأنها مجموعات تقع كل مجموعة منها في دائرة جاذبية كوكب أكبر منها، وأنها إذا انحرفت عن دائرة جاذبية هذا الكوكب فبعدت منه وقربت من دائرة جاذبية كوكب آخر، سقطت بسرعة، وتولد عن احتكاك سطحها بسطوح أخرى شعلة نارية هي الظاهرة الكونية التي تسمى: الشهب - إذا ثبت هذا فإنه لا يتنافى مع ما جاء في نصوص الشريعة الإسلامية من النصوص التي فيها مجرد الإخبار برجم الشياطين بشهب من النجوم، إذ من الممكن أن تحدث ظاهرة الشهب من الأمرين؛ إذ ليس في العلوم الكونية ما يدل على حصر الشهب فيما يتساقط من غير الكواكب، كما أنه ليس في النصوص حصر الشهب فيما يتساقط من الكواكب لرجم الشياطين. أما النيازك التي ذكرها السائل فهي عند علماء الجغرافيا رجوم إذا سقطت إلى سطح الأرض لا تحترق، ولا تتحول إلى رماد، فليست نوعا من الشهب، بل نوع من الرجوم مقابل للشهب. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 71166.
وبناء على ما تقدم، فلا يمكن القطع بأن النيزك الذي سقط بروسيا من الشهب التي تُرجم بها الشياطين المسترقة للسمع؟ وإنما هو احتمال، وعندئذ فالكتلة التي وصلت إلى الأرض منه تسمى نيزكاً، والجزء الذي احترق وظهر ضوؤه في الجو هو الشهاب الثاقب.
والله أعلم.