الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء صلاته بإعادتها، لأنه ترك ركنا من أركان الصلاة التي لا تصح إلا بها, وأما معاوية بن الحكم السلمي فإنه لم يترك ركنا، وإنما فعل مبطلا جاهلا بكونه مبطلا, وقد كان الكلام في الصلاة مباحا أول الأمر، كما في حديث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ـ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ. متفق عليه.
ففرق بين الأثر المترتب على ترك المأمور به وبين الأثر المترتب على فعل المحظور, وقد أخذ الفقهاء من هذا أن ترك الأركان لا يُعذر فيه بالجهل من حيث لزوم الإعادة، بخلاف فعل المحظورات، فإنه يعذر فيه بالجهل, قال أبو عبد الله الزركشي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه المنثور في القواعد: الْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ يُعْذَرُ بِهِمَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ الْمَأْمُورَاتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ: مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، لَمَّا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِعَادَةِ لِجَهْلِهِ بِالنَّهْيِ، وَحَدِيثُ: يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ حَيْثُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَزْعِ الْجُبَّةِ عَنْ الْمُحْرِمِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْفِدْيَةِ لِجَهْلِهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عَلَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ فِي الْإِحْرَامِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ إقَامَةُ مَصَالِحِهَا وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلِهَا، وَالْمَنْهِيَّاتِ مَزْجُورٌ عَنْهَا بِسَبَبِ مَفَاسِدِهَا امْتِحَانًا لِلْمُكَلَّفِ بِالِانْكِفَافِ عَنْهَا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّعَمُّدِ لِارْتِكَابِهَا وَمَعَ النِّسْيَانِ وَالْجَهَالَةِ لَمْ يَقْصِدْ الْمُكَلَّفُ ارْتِكَابَ الْمَنْهِيِّ، فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ فِيهِ. اهــ.
وانظر أيضا كلام ابن القيم عن هذا في الفتوى رقم: 142611.
والله أعلم.