الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستنجاء بالمحرف من الكتب السابقة ممنوع عند الجمهور، لحرمة ما قد يكون فيها من اسم الله تعالى، أو لحرمة الحروف مطلقا، وذكر بعض فقهاء الشافعية جوازه إذا تؤكد من كونه محرفا ومن خلوه من اسم الله تعالى ونحوه مما عظمه الشرع كأسماء الرسل، فقد قال الحطاب المالكي: وأما المكتوب: فلا يجوز الاستجمار به, قال في التوضيح: لحرمة الحروف، وتختلف الحرمة بحسب ما كتب ـ قلت: فعلم منه أنه لا يجوز الاستجمار بكل ما هو مكتوب ولو كان المكتوب باطلا كالسحر، لأن الحرمة للحروف، وقال الدماميني في حاشية البخاري في كتاب الحج في حديث الصحيفة: قال ابن المنير: وهذا دليل على إيجاب احترام أسماء الله تعالى وإن كتبت في أثناء ما تجب إهانته كالتوراة والإنجيل بعد تحريفهما فيجوز إحراقها وإتلافها، ولا يجوز إهانتها لمكان تلك الأسماء خلافا لمن قال: يجوز الاستنجاء بهما، لأنهما باطل, وإنما هما باطل لما فيهما من التحريف، ولكن حرمة أسماء الله لا تبدل على وجه، ألا ترى كيف أقام الله سبحانه وتعالى حرمة أسمائه بأن محاها وأبقى ما عداها من الصحيفة؟ فلولا أن الأسماء متميزة عما هي فيه بحرمة لما كان لتمييزها بالمحو معنى. اهـ.
وقال الدسوقي المالكي: قال الشيخ إبراهيم اللقاني: محل كون الحروف لها حرمة إذا كانت مكتوبة بالعربي، وإلا فلا حرمة لها، إلا إذا كان المكتوب بها من أسماء الله، وقال علي الأجهوري: الحروف لها حرمة، سواء كتبت بالعربي، أو بغيره، وهو ما يفيده الحطاب وفتوى الناصر، قال شيخنا: وهو المعتمد.... قوله: ولو باطلا ـ أي ولو كان ذلك المكتوب باطلا؛ كسحر وتوراة وإنجيل مبدلا فيهما أسماء الله وأنبيائه. اهـ.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: أما غير المحترم كمنطق, وفلسفة فلا أثر له, وفي إطلاقه في المنطق نظر, وألحق بما فيه علم محترم جلده المتصل به دون المنفصل عنه بخلاف جلد المصحف يمتنع الاستنجاء به مطلقا كما في عقود المختصر للغزالي, وجوزه القاضي بورق التوراة, والإنجيل, ويجب حمله على ما علم تبدله منهما, وخلا عن اسم الله, ونحوه. اهـ.
وقال الشمس الرملي في نهاية المحتاج: فلا يجوز ـ أي الاستنجاء ـ بالمحترم ولا يجزئه، والمحترم أنواع منها ما كتب عليه شيء من العلم كالحديث والفقه وما كان آلة لذلك، أما غير المحترم، كفلسفة وتوارة وإنجيل علم تبدّلهما وخلوهما عن اسم معظم، فيجوز الاستنجاء به. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز الاستنجاء بمحترم كالكتب التي فيها ذكر الله تعالى؛ ككتب الحديث والفقه، لحرمة الحروف, ولما في ذلك من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها، واختلفوا في الكتب غير المحترمة, ومثلوا لها بكتب السحر والفلسفة وبالتوراة والإنجيل إذا علم تبدلهما، فذهب المالكية إلى أنه لا يجوز الاستنجاء بهذه الكتب لحرمة الحروف ـ أي لشرفها ـ قال إبراهيم اللقاني: محل كون الحروف لها حرمة إذا كانت مكتوبة بالعربي, وإلا فلا حرمة لها إلا إذا كان المكتوب بها من أسماء الله تعالى, وقال علي الأجهوري: الحروف لها حرمة سواء كتبت بالعربي أو بغيره، وقال الحطاب: لا يجوز الاستجمار بالمكتوب ولو كان المكتوب باطلا كالسحر، لأن الحرمة للحروف, وأسماء الله تعالى إن كتبت في أثناء ما تجب إهانته كالتوراة والإنجيل بعد تحريفهما, فيجوز إحراقها وإتلافها، ولا يجوز إهانتها، لأن الاستنجاء بهذه الكتب إهانة لمكان ما فيها من أسماء الله تعالى، لأنها وإن كانت محرمة، فإن حرمة أسماء الله تعالى لا تبدل على وجه، وذهب الشافعية إلى أن غير المحترم من الكتب ككتب الفلسفة، وكذا التوراة والإنجيل إذا علم تبدلهما وخلوهما عن اسم معظم، فإنه يجوز الاستنجاء به، وقال ابن عابدين من الحنفية: نقلوا عندنا أن للحروف حرمة ولو مقطعة, وذكر بعض القراء أن حروف الهجاء قرآن أنزلت على هود عليه السلام، ومفاده الحرمة بالمكتوب مطلقا. اهـ.
وللفائدة راجع الفتويين رقم: 38508، ورقم: 43148.
والله أعلم.