الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنرجو أن لا حرج عليك في الاستماع لتشهد من بجانبك، ولا يعتبر هذا من التجسس المحرم الذي ورد النهي عنه, والتجسس المذموم هو البحث عن عيوب الناس وعثراتهم وما يكرهون اطلاع الناس عليه, قال الحافظ العراقي في طرح التثريب عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجسسوا ولا تحسسوا ـ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ: لَا تَبْحَثُوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ وَلَا تَتَّبِعُوا أَخْبَارَهُمْ ... قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ الْبَحْثُ وَالتَّطَلُّبُ لِمَعَايِبِ النَّاسِ وَمَسَاوِئِهِمْ إذَا غَابَتْ وَاسْتُرِيبَتْ. اهــ.
وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى: يُرِيدُ بِهَا أَنْ لَا يَتَجَسَّسَ الْإِنْسَانُ عَلَى أُمُورِ أَخِيهِ الَّتِي يَخَافُ أَنْ يَعِيبَهُ وَيَسُبَّهُ. اهــ.
ومثله قول القسطلاني في شرح البخاري: ولا تجسسوا بالجيم: لا تبحثوا عن العورات. اهــ.
وأما الاستماع لما يقوله المصلي في صلاته: فلا يدخل في التجسس المحرم ـ إن شاء الله ـ إذا كان بقصد الاقتداء, ففي صحيح مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ، قَالَ فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... إلخ, والحديث رواه أيضا مالك وأبو داوود وغيرهما.
ووجه الشاهد منه أنه توسد عتبة الباب واستمع لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم وعلم صلاته, قال الزرقاني في شرح الموطأ:هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حِينَ سَمِعَهُ قَامَ يُصَلِّي لَا قَبْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنَ التَّجَسُّسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَأَمَّا تَرَقُّبُهُ لِلصَّلَاةِ فَمَحْمُودٌ. اهــ .
وقد ثبت أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع لقراءة أبي موسى الأشعري ليلا وهو يصلي من غير أن يعلم باستماع النبي صلى الله عليه وسلم لقراءته. والحديث في صحيح مسلم.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 110562، عن حكم اقتداء الناسي بشخص يصلي بجواره.
والله أعلم.