الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن التقديم والتأخير في التجارة واللهو، فقد قال ابن جزي في التسهيل: إن قيل: لم قدم اللهو هنا على التجارة وقدم التجارة قبل هذا على اللهو؟ فالجواب: أن كل واحد من الموضعين جاء على ما ينبغي فيه، وذلك أن العرب تارة يبتدئون بالأكثر ثم ينزلون إلى الأقل، كقولك: فلان يخون في الكثير والقليل، فبدأت بالكثير ثم أردفت عليه الخيانة فيما دونه، وتارة يبتدئون بالأقل ثم يرتقون إلى الأكثر، كقولك: فلان أمين على القليل والكثير، فبدأت بالقليل ثم أردفت عليه الأمانة فيما هو أكثر منه، ولو عكست في كل واحد من المثالين لم يكن حسنا، فإنك لو قدمت في الخيانة القليل لعلم أنه يخون في الكثير من باب أولى وأحرى، ولو قدمت في الأمانة ذكر الكثير لعلم أنه أمين في القليل من باب أولى وأحرى، فلم يكن لذكره بعد ذلك فائدة، وكذلك قوله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ـ قدم التجارة هنا ليبين أنهم ينفضون إليها، وأنهم مع ذلك ينفضون إلى اللهو الذي هو دونها، وقوله: خير من اللهو ومن التجارة ـ قدم اللهو ليبين أن ما عند الله خير من اللهو، وأنه أيضا خير من التجارة التي هي أعظم منه، ولو عكس كل واحد من الموضعين لم يحسن. اهـ.
وأما عن قوله تعالى: والله خير الرازقين ـ فقد قال فيه الشيخ الأمين الشنقيطي في الأضواء: وصيغة التفضيل في قوله: وهو خير الرازقين {المؤمنون: 72} نظرا إلى أن بعض المخلوقين يرزق بعضهم، كقوله تعالى: وارزقوهم فيها واكسوهم {النساء: 5} وقوله تعالى: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن {البقرة: 233} ولا شك أن فضل رزق الله خلقه، على رزق بعض خلقه بعضهم، كفضل ذاته وسائر صفاته على ذوات خلقه، وصفاتهم. اهـ.
والله أعلم.