الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن ما فعله أبوكم صحيح، وأنه من تمام العدل والتسوية بين أبنائه، حيث إن الأب فرض أجرة على من ينتفع بشقته من أولاده حتى لا يخص المنتفع منهم بشيء دون أولاده الآخرين، ولا يشترط أن تتساوى أجرة الشقة المستأجرة من الأب مع غيرها من الشقق التي استأجرها الإخوة الآخرون، وذلك لوجود اختلاف في إيجارات الشقق تبعا لاختلاف مواصفاتها، ما لم يتضمن ذلك محاباة منه لبعض الأولاد المستأجرين منه بأن يظفروا دون إخوانهم بتخفيض الأجرة وليس فيهم ما يسوغ تخصيصهم بعطية، وأما ما ذكرت من اعتراضات بعض الإخوة على دفع إيجارات شقق أبيهم لعدم استطاعتهم، وكانوا حقا لا يستطيعون دفع قيمة الإيجار أو أن ذلك يسبب لهم بعض الضيق والضرر بدفعهم، فالأولى في هذه الحال أن يخصهم بعطية من مال أو يسقط عنهم هذا الإيجار الذي ألزمهم به، قال ابن قدامة في المغني: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك، لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والعطية في معناه. انتهى.
والراجح في توزيع الهبة أن تكون بالتساوي بين الذكور والإناث، وهو مذهب الأئمة الثلاثة ـ مالك وأبي حنيفة والشافعي ـ واحتجوا برواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد ـ وهو والد النعمان بن بشير: أيسرك أن يكونوا في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن.
قالوا: إذا كانت البنت كالابن في برها، فكذلك في عطيتها، واستدلوا أيضاً بحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثراً لأحد لآثرت النساء على الرجال. أخرجه البيهقي، وحكم الحافظ في الفتح بأن إسناده حسن.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 27543، ورقم: 33348.
والله أعلم.