الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد من تعرض لهذا الأثر المذكور بالنقد تفصيلا، وقد أخرجه عدد من رجال الحديث منهم الآجري في الشريعة، وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال، والسيوطي في جامع الأحاديث، والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم، وفي سند هذا الحديث خالد بن عبد الرحمن الخراساني، وقد وثّقه ابن معين، لكنّ في بعض أحاديثه نكارة لعلها ممن يروي عنه، قال عنه ابن عدي في الكامل: ولخالد هذا أحاديث غير ما ذكرته، وفي بعض أحاديثه إنكار، وعامة ما ينكر من حديثه قد ذكرته على أن يحيى بن معين قد وثقه، وأرجو أن ما ينكر من حديثه إنما هو وهم منه أو خطأ.
وقال القيسراني في ذخيرة الحفاظ ناقلا: وخالد هذا وثقه ابن معين، ولعل البلاء من الذي روى عنه.
أمّا عن شرح الحديث: فمعناه أن تلقيَ الأنبياء للوحي يختلف من حال لحال، فمنهم من يسمع الوحي صوتا، ومنهم من يراه رؤيا، ومنهم من يكلمه الملك كفاحا، وقد استدلّ ابن عبد البر بهذا الحديث على تفاضل النبوة والأنبياء، قال: كما أن الأنبياء يتفاضلون والنبوة كذلك ـ والله أعلم ـ قال الله عز وجل: ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض.
وضروب الوحي كثيرة غير ما ذكر، قال أبو عمر ابن عبد البرّ: هذا على أنه يكلمه جبريل كثيرا بالوحي في الأغلب من أمره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ـ وفي حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيل له: كيف يأتيك الوحي؟ قال يأتيني الوحي أحيانا في مثل صلصلة الجرس ـ وهو أشده علي ـ فيفصم عني وقد وعيت ما قال ـ وقد كان يتراءى له جبريل من السحاب، وكان أول ما ابتدئ من النبوة أنه كان يرى الرؤيا فتأتي كأنها فلق الصبح، وربما جاء جبريل في صفة إنسان حسن الصورة فيكلمه، وربما اشتد عليه حتى يغط غطيط البكر ويئن ويحمر وجهه إلى ضروب كثيرة يطول ذكرها.
وللفائدة فقد ذكر الشيخ عطية سالم ـ رحمه الله ـ أن القرآن لم ينزل إلهاما ولا مناما، فقال: وذكروا من أحوال الوحي: أن يكون مناماً، وأن ينفث في روعه ويلهم، ولكن اتفقوا على أن القرآن لم يؤخذ مناماً ولا إلهاماً ولا نفثاً في الروع، ولابد أن يتلقاه بواسطة الملك: إما أن يأتيه كصلصلة الجرس، وإما أن يأتيه الملك بصورة رجل ويعلم أنه جبريل، ويُلقي عليه القرآن الكريم. اهـ
والله أعلم.