الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي البدء نقول لك: لا تجدي ولا تنفع الفتوى عن بُعد في حل نزاع معقد كهذا، بل لا بدّ في هذا الأمر من الترافع إلى القضاء الشرعي، لأن بيده سلطة التنفيذ التي لها ينصاع الظالم، وينتصف الخصوم من بعضهم البعض، لكن في الجملة نجيب على هذا السؤال في النقاط التالية، وهي متضمنة لبيان ما عددته من النقاط:
1ـ كتابة هذا الأب لسائر أملاكه باسم هذا الولد لا يخلو من أحد احتمالين:
أـ أن يكون ذلك على سبيل الوصية: فهي باطلة، لأنها وصية لوارث، يجب نقضها وإعادة المال تركة تقسم على الورثة على ما فرض الله تعالى فيها، وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنها موقوفة على إجازة الورثة لها.
ب ـ أن تكون هذه الكتابة على سبيل الهبة: وحينئذ فإن لم يكن هذا الابن قد حاز الهبة حوزا معتبرا شرعا قبل موت والده فهي باطلة، لاشتراط القبض في نفاذ كلّ هبة، وإن كان قد حازها فهي جور وظلم، لكن اختلف العلماء فيها هل تنقض بعد موت الوالد أو لا تنقض؟ وراجعي للمزيد في هذا المعنى الفتوى رقم: 161261.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وجوب نقض الهبة ولو بعد موت الواهب، وراجعي لذلك الفتوى رقم: 123026.
والبتّ في أمر هذه العطية وهل هي هبة أو وصية؟ يحتاج إلى القضاء الشرعي ليفصل فيه كما سلف.
2ـ قد وقع هذا الوالد والولد معا في الإثم بسبب هذه الهبة الجائرة: أما الوالد: فبإعطائه، وأما الولد: فبقبوله، وسلامة هذا الوالد من تبعات الحساب، إنما تكون منكم جمعيا بأن يحلله كل منكم مما له عليه من حق وتسغفروا له، وعلى احتمال كون هذا هبة نافذة يستحب لهذا الولد أن يردّه تركة مقسومة، بل ذهب شيخ الإسلام إلى وجوب ذلك، فقال: ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. اهـ
3ـ لا عبرة بما كان أبوك قد نوى من أن لا يورثك إلا المبلغ المذكور: لأن قسمة الفرائض أمر تولاه الله عزّ وجلّ فلم يكله إلى أحد، وحرمان النساء خلق يصادم الشرع ويخالف مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، وهو من الجاهلية الجهلاء، وراجعي الفتوى رقم: 20432.
4ـ لا يمنعنك صنيع أبيك هذا من أن تسغفري وتحلليه مما لك عليه من حق، ولو أساء وقصر معك، فإنه قريب القرابة وقوي الآصرة وعظيم الحق عند الله عزّ وجل.
والله أعلم.