الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على الدولة الحكم بشرع الله على حسب طاقتها وإمكانياتها، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 185765.
وإقامة الحدود من اختصاص الإمام أو نائبه، ولا يجوز لغيره من الأفراد تطبيقها إلا إذا وكله الإمام، كما قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في المجموع: أما الأحكام: فإنه متى وجب حد الزنا، أو السرقة، أو الشرب، لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام. اهـ.
وقال القرطبي في تفسيره: لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك، لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود. انتهى.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: وأما من يقيم هذا الحد ـ أي: جلد شارب الخمر ـ فاتفقوا على أن الإمام يقيمه، وكذلك الأمر في سائر الحدود. انتهى.
وبهذا يتضح منع الآحاد من تعاطي قتل مثل هذا المرتد، وإن كان محكوما بقتله، كما بينا بالفتوى رقم: 193887.
ولكن من تعاطى ذلك فقد ذكر أهل العلم أنه لا يقتل به ما دام المقتول غير معصوم الدم، وإنما يشرع للسلطة أن تعزره على افتياته بما تراه مناسبا، جاء في الفروع لابن مفلح: باب شروط القود: يشترط كون المقتول معصوما, فكل من قتل مرتدا، أو زانيا محصنا ولو قبل ثبوته عند حاكم, والمراد قبل التوبة ـ وقاله صاحب الرعاية ـ فهدر, وإن بعد التوبة إن قبلت ظاهرا فكإسلام طارئ, فدل أن طرف محصن كمرتد, لا سيما وقولهم عضو من نفس وجب قتلها فهدر, ويعزر للافتيات على ولي الأمر. اهـ.
وأما في الآخرة: فلا نعلم نصا في عقوبته ولا يعتبر تصرفه مثل من قتل نفسا معصومة.
والله أعلم.