الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الملائكة تكتب كل ما يتلفظ به العبد؛ فقد قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {ق:18}.
وأما أنين المريض، فقد كان بعض السلف يكرهه.
ففي مسائل الإمام أحمد أنه بلغه -وهو يئن في مرض موته- "عن طاووس: أن الملك يكتب حتى أنين المريض، فأمسك عن الأنين. وفي رواية: بلغه أَن طاووسا كره أَنِين الْمَرِيض، وَقَالَ: إنه شكوى، فَمَا أَنّ -أحمد- حَتَّى مَاتَ.
وقد فصل بعضهم في ذلك فقال: يكره إن كان عن تضجر..، ويحرم إن كان عن تسخط بالمقدور، ويباح إن كان لمجرد الراحة، ويندب إن كان عن ذل وافتقار إلى الله تعالى.
جاء في غذاء الألباب للسفاريني الحنبلي: أَنِينُ الْمَرِيضِ تَارَةً يَكُونُ عَنْ تَبَرُّمٍ وَتَضَجُّرٍ، فَيُكْرَهُ. وَتَارَةً يَكُونُ عَنْ تَسَخُّطٍ بِالْمَقْدُورِ، فَيَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ. وَتَارَةً يَكُونُ لِأَجْلِ مَا يَجِدُ، وَيَجِدُ بِهِ نَوْعَ اسْتِرَاحَةٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّضَجُّرِ وَالتَّبَرُّمِ، فَيُبَاحُ. وَتَارَةً يَكُونُ عَنْ ذُلٍّ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَانْكِسَارٍ، وَخُضُوعٍ، وَافْتِقَارٍ، وَمَسْكَنَةٍ، وَاحْتِقَارٍ مَعَ حَسْمِ مَادَّةِ الْعَوْنِ إلَّا مِنْ بَابِهِ، وَالشِّفَاءِ إلَّا مِنْ عِنْدِهِ، وَالْعَافِيَةِ إلَّا مِنْ كَرَمِهِ. فَهَذَا لَا يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ يُنْدَبُ إلَيْهِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيثٍ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ: «الْمَرِيضُ أَنِينُهُ تَسْبِيحٌ، وَصِيَاحُهُ تَكْبِيرٌ، وَنَفَسُهُ صَدَقَةٌ، وَنَوْمُهُ عِبَادَةٌ، وَنَقْلُهُ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: لَيْسَ بِثَابِتٍ
فهذا الذي اطلعنا عليه في أنين المريض؛ وتراجع الفتوى رقم: 6604 لحكم الذكر بالاسم المفرد.
ولا شك أن في كل ما يصيب المسلم من آلام وأوجاع، تكفير لخطاياه، ومحو لسيئاته، كما جاء في صحيح مسلم أن رسول صلى الله عليه وسلم- قال: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
والله أعلم.