الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السخرية من الآخرين والاستهزاء بهم واحتقارهم لا تجوز؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ [الحجرات:11]. وهو دليل على أن صاحبه مصاب بمرض الكبر الذي هو من كبائر الذنوب -والعياذ بالله- فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الكبر بطر الحق، وغمط الناس. رواه مسلم. ومعنى بطر الحق -كما قال العلماء-: دفعه ورده. ومعنى غمط الناس: احتقارهم.
وما دمت قد ندمت على تصرفك، فأبشر بخير؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولكن عليك أن تعتذر لأخيك وتستسمح منه، ولو لم يسمع ما كنت تقول فيه، ولا تذكر له أنك كنت تسخر منه؛ حتى لا توغر صدره عليك، ولكن قل له: لقد أخطأت في حقك، وما أشبه ذلك فسامحني. وإذا كان ذلك أيضا يؤدي إلى مفسدة، فأكثر من الدعاء له بظهر الغيب، واذكره بالخير في المجالس والأماكن التي سخرت منه أو اغتبته فيها.
وما ذكرته عن ابن تيمية لم نقف عليه فيما تيسر لنا البحث فيه من كتبه، ولكن جاء في منازل السائرين للهروي عند الكلام على المحاسبة: والثالث أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك، وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك. ولا تضع ميزان وقتك من يديك.
قال ابن القيم معلقا على كلامه: وقوله: كُلُّ مَعْصِيَةٍ عَيَّرْتَ بِهَا أَخَاكَ فَهِيَ إِلَيْكَ. يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ: أَنَّهَا صَائِرَةٌ إِلَيْكَ وَلَا بُدَّ أَنْ تَعْمَلَهَا، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ» قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: مِنْ ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ. وَأَيْضًا فَفِي التَّعْيِيرِ ضَرْبٌ خَفِيٌّ مِنَ الشَّمَاتَةِ بِالْمُعَيَّرِ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا مَرْفُوعًا: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ».
وحديث: "من عير أخاه... رواه الترمذي والطبراني وابن أبي الدنيا، وقال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة: موضوع.
والله أعلم.