الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا عُلق الطلاق على زمن مستقبل، فإنه يقع عند حلول ذلك الزمن؛ كقوله: أنت طالق أول الشهر القادم.
قال ابن قدامة- رحمه الله- في المغني: وَإِذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي زَمَنٍ، أَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ، تَعَلَّقَ بِهَا، وَلَمْ يَقَعْ حَتَّى تَأْتِيَ الصِّفَةُ وَالزَّمَنُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَأَبِي هَاشِمٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. انتهى.
وقال النووي- رحمه الله- في روضة الطالبين فيما إذا: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا، أَوْ غُرَّةَ شَهْرِ كَذَا، أَوْ أَوَّلَهُ، أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ، أَوِ ابْتِدَاءَهُ، أَوْ دُخُولَهُ، أَوِ اسْتِقْبَالَهُ، أَوْ إِذَا جَاءَ شَهْرُ كَذَا، طُلِّقَتْ عِنْدَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، فَلَوْ رَأَوُا الْهِلَالَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَغْرُبَ. وَلَوْ قَالَ: فِي نَهَارِ شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ، طُلِّقَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي يَوْمِ كَذَا، طُلِّقَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الطَّلاَقَ الْمُضَافَ إِلَى الْمُسْتَقْبَل يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ فِي الْحَال، وَلَكِنْ لاَ يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ إِلاَّ عِنْدَ حُلُول أَجَلِهِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ لِشُرُوطِهِ الأْخْرَى، فَإِذَا قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ هَذَا الشَّهْرِ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ، وَلَوْ قَال: فِي أَوَّلِهِ، طَلُقَتْ أَوَّلَهُ. وَلَوْ قَال: فِي شَهْرِ كَذَا، طَلُقَتْ فِي أَوَّلِهِ عِنْدَ الأْكْثَرِ، وَخَالَفَ الْبَعْضُ وَقَالُوا يَقَعُ فِي آخِرِهِ. انتهى.
ويرى بعض أهل العلم أن الطلاق إن علق بمستقبل يشبه بلوغه الزوجين، نجز في الحال.
قال عليش عند شرحه لقول صاحب المختصر: أَوْ مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ، وَيُشْبِهُ بُلُوغُهُمَا عَادَةً: كَبَعْدَ سَنَةٍ ( : أَوْ ) عَلَّقَ بِشَيْءٍ ( مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْقَافِ وُقُوعُهُ ( وَيُشْبِهُ ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ يُمْكِنُ ( بُلُوغُهُمَا ) أَيْ حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ مَعًا ( عَادَةً ) إلَى حُصُولِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُحَقَّقِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ( كَ ) قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ( بَعْدَ سَنَةٍ ) فَيُنَجَّزُ وَقْتُ تَعْلِيقِهِ؛ لِشَبَهِهِ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
والله أعلم.