الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
بداية: كيف تقبل يا أخي أن تستبدل حلاوة الإيمان والطاعة بضدها، أبعد أن منَّ الله عليك تعود، أَبعد معاملة الله، والربح عليه، تتركْه وتُعامل غيره، من وجد الله، فماذا فقد ؟ ومن فقد الله، فماذا وجد؟ "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير "
-وقولك: " لا تجد الحلاوة المعهودة للطاعة....
فالواجب عليك أن تعبد الله لذاته، فنحن عبيد لله، وأما اللذة فهي من صميم مقام الإحسان، ومع هذا فالله عدل رحيم، ومن رحمته أنه يمن على العبد بحلاوة العبادة، وذهاب مشقتها، إذا أتى بها على الوجه الأتم.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - يَقُولُ: إِذَا لَمْ تَجِدْ لِلْعَمَلِ حَلَاوَةً فِي قَلْبِكَ وَانْشِرَاحًا، فَاتَّهِمُهُ، فَإِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى شَكُورٌ. يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُثِيبَ الْعَامِلَ عَلَى عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَلَاوَةٍ يَجِدُهَا فِي قَلْبِهِ، وَقُوَّةِ انْشِرَاحٍ وَقُرَّةِ عَيْنٍ. فَحَيْثُ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَعَمَلُهُ مَدْخُولٌ. اهـ
وقد يكون فوات اللذة اختبارا من الله، ليرى أيعبده أم يقصر؟
وقد يكون سبيل رحمة عظيمة؛ إذ يفتح الله به للعبد باب التضرع والتملق على مصراعيه، فيظل يدعو ربه، ويتملقه، ويرجوه، فيجد من الأنس بالله ما لا يخطر له على بال.
ومما يدفع عن العبد الملل، وفقد اللذة، تنويع العبادات، بين صلاة، وصيام، وذكر، وطلب علم، وتفكر، ونحوها.
ونحيلك هنا على فتوى رقم: 139680 عن تحصيل لذة العبادة. وانظر فتوى رقم: 174461 عن إصلاح القلب.
وأما عودك للذنب ولو مرة، فيحتاج لتوبة؛ لأنها معصية، كما لا يخفى عليك، وقد ذكرت أن الله وفقك إلى التوبة؛ فاحمد الله، واشكره، واحرص على أن تكون بعد التوبة خيرا منك قبل الخطيئة، وأن تستحدث أعمالاً صالحة فهي من علامات صدق التوبة؛ قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71). سورة الفرقان.
ونحيلك إلى روائع في أسرار التوبة في مطلع مدارج السالكين لابن القيم في كلامه عن منزلة التوبة.
وأما الرغبة في صحبة الصالحين في الجنة، فلا بد من الرجاء، والندم، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، واحذر اليأس؛ قال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56). سورة الحجر . وقال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) سورة يوسف.
وأما العودة إلى نصح الناس، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فواجب لا ينفك عنه المسلم، حتى حال المعصية، فالتوبة واجبة، والنهي عن المنكر واجب آخر لا يسقط أحدهما بالآخر، فعُد وانصح، واحذر أن تكون كحال بني إسرائيل؛ قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) سورة المائدة.
بل من أعظم أسباب الثبات على الاستقامة، الحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي العقدة التي يترابط بها المؤمنون، وبها يرجون رحمة الله؛ قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) سورة التوبة.
أخي الحبيب: حاول أن تحذر الوسائل التي تؤدي بك إلى هذه المعاصي، ونحيلك على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 5524 ، 21807 ، 35373 . ففيها فوائد جمة.
والله أعلم.