الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك المبادرة بالتوبة إلى الله جل وعلا مما أتيت، وذلك بالندم على ما سلف، وعقد العزم على العودة إليه. والشرع الحكيم قد نهى عن الخلوة بالأجنبي؛ لما يفضي إليه من مثل هذه المفاسد الوخيمة. وليست هنا كفارة خاصة لفعلك هذا، لكن الأعمال الصالحة عموما كالصلاة، والصدقة وغيرها مكفرة للذنوب. فقد أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض في ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}، فقال رجل من القوم: يا نبي الله؛ هذا له خاصة؟ قال: بل للناس كافة.
ولمعرفة شروط التوبة وأحكامها راجعي الفتويين: 5450 111852
لكن هذا الصنيع الذي بدر منك وإن سماه النبي صلى الله عليه وسلم زنا، لكنه ليس بزنا حقيقي، فإن الزنا الحقيقي الذي يوجب الحد، هو الوطء في فرج أجنبية، دون شبهة، لكن هناك معاص أخرى جاء في الشرع وصفها بأنها من الزنا، باعتبارها مؤدية إلى الزنا، وليست هي بزنا حقيقي، كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس، قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه»
قال الخطابي: قوله: أشبه باللمم. يريد بذلك ما عفا الله عنه من صغائر الذنوب، وهو معنى قوله تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم} [الشورى: 37]. وهو ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب التي لا يكاد يسلم منها إلا من عصمه الله تعالى وحفظه؛ وإنما سمي النظر زنا، والقول زنا؛ لأنهما مقدمتان للزنا؛ فإن البصر رائد، واللسان خاطب، والفرج مصدق للزنا ومحقق له بالفعل. اهـ.
وكما جاء في الحديث الآخر: أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية. أخرجه النسائي، وصححه ابن حبان.
والله أعلم.