الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن آية البقرة تفيد أن الأصل هو أن ترضع المرأة ولدها حولين كاملين في الأحوال العادية، سواء طال حمله أو قصر، فقد أكد الله المدة بقوله: حولين كاملين، ولا يجب على المرأة عند عدم الضرورة أن تتم الحولين، بل يجوز لها أن تفطمه قبل ذلك إذا لم يتضرر بالفطام، وبيان ذلك أن الله تعالى يقول: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ {البقرة:233}.
قال القرطبي- رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآية: انتزع مالك رحمه الله تعالى، ومن تابعه، وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب، إنما هي ما كان في الحولين؛ لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة. هذا قوله في موطئه، وهي رواية محمد بن عبد الحكم عنه، وهو قول عمر، وابن عباس، وروي عن ابن مسعود، وبه قال الزهري، وقتادة، والشعبي، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور. انتهى.
وقال الشوكاني في فتح القدير عند تفسير قوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة:أي ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة، وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتماً، بل هو التمام، ويجوز الاقتصار على ما دونه. انتهى.
وأما آية الأحقاف، فقد ذكرت أقل مدة الحمل ولم تذكر غالبه؛ لأن غالبه أمر معروف لا يحتاج إلى ذكر، وفي ذكر أقل مدة الحمل فائدة عظيمة بحيث يعلم أن من كانت زوجة وأتت بولد بعد ستة أشهر من زواجها؛ فإنه للزوج صاحب الفراش كما روي عن علي -رضي الله عنه- واحتج بهذه الآية مع آية البقرة. وانظر الفتوى رقم: 13014، والفتوى رقم: 23882.
والله أعلم.