الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من حالك إنما هو نتيجة استرسالك مع الوساوس التي ابتليت بها، وكنا قد نصحناك في فتوى سابقة بأن تتجاهل تلك الوساوس وتعرض عنها، فإن ذلك أمثل علاج وأنفعه بعد الاستعاذة بالله والتوكل عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة، وانتهاء العبد، وأن يقول إذا قال لم تغسل وجهك: بلى قد غسلت وجهي. وإذا خطر له أنه لم ينو، ولم يكبر. يقول بقلبه: بلى قد نويت، وكبرت. فيثبت على الحق، ويدفع ما يعارضه من الوسواس، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق، فيندفع عنه، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات، مستجيبا إلى الوساوس والخطرات، أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه، وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول، وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة. انتهى.
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: فصل: ومن ذلك الوسوسة فى مخارج الحروف والتنطع فيها. ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم: قال أبو الفرج بن الجوزى: "قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف، فتراه يقول: الحمد، الحمد. فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة. وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد "المغضوب" قال: "ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده. والمراد تحقيق الحرف حسب. وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق، ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة. وكل هذه الوساوس من إبليس.
ثم ختم ابن القيم رحمه الله الفصل بقوله: ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم، تبين له أن التنطع والتشدق، والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته. انتهى.
فما دمت تعاني من الوسوسة فلا حرج عليك أن تأخذ بمذهب المالكية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في عدم اشتراط إسماع القارئ نفسه، وأن الإجزاء يحصل بإخراج الحروف من مخارجها، وتحريك اللسان والشفتين وإن لم يسمع نفسه، وهذا القول قد رجحه من العلماء المعاصرين ابن عثيمين رحمه الله تعالى. فحرك لسانك وشفتيك بالقراءة والأذكار، والتكبير وإن لم يحصل لك إسماع النفس، ثم أعرض عما يأتيك من الوسواس في أنك لم تنطق بالحرف على وجهه، أو أنك لم تخرجه من مخرجه، ولا يلزمك سجود سهو.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 51601، 137581.
والله أعلم.