توصيات لمن توالت عليها الهموم والعلاقات العاطفية وكره المتدينين

9-7-2013 | إسلام ويب

السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
العمر : 22 عاما.
أنا فتاة أود منكم تحملي، سأسرد قصتي من البداية لعل الله يكتب لي إجابة توقظني هنا، وتكون نقطة تحولي. ولكم جزيل الشكر.
أبي متوفى، وكان رجلا مريضا، وعنيفا جدا معنا-رحمه الله- وأمي إنسانة فقدت الكثير من عطاء الزوج، وتتالت عليها مشاكل أخواتي المتزوجات، حتى أصبحت إنسانة متبلدة " لا تشعر بشيء " ولا تسمعني، ولا تعيرني أي اهتمام سوى أنها متواجدة بجسدها أمامي، تؤمن لي احتياجاتي من مأكل، وملبس لا غير.
أعترف من الآن أن معظم مشاكلي سببها " أنا " !
ابتدأت مشاكلي منذ مرحلة دراستي الثانوية. قضيت 3 أيام لا أشرب، ولا أنام أبدا، وأشعر بانتفاخ بجسدي، وعوارض على الأغلب أنها شيطانية، والله أعلم. بعدها وفجأة أصبحت مدمنة على العادة السرية، لا أتركها أبدا ليلا ونهارا حتى إنها أهلكت جسدي و " لأن الله لطيف " كان دائما يوفقني في دراستي، فأنا موفقة والحمد لله. ولا أعلم كيف! حتى إنني أدرس وعقلي شارد.
عائلتي ليست بمستوى ديني عالي. تعرفت في بداية دخولي إلى الجامعة على شاب من طرف أختي، أعترف الآن أني لم أحبه، ولكن كانت مجرد تداعيات وأوهام حتى تعلق قلبه بي " نعم ! ظلمته وظلمت نفسي معه "
هكذا كانت حياتي من الدراسة إلى مكالمتي مع هذا الشاب، هروبا من مشاكل أخواتي المتزوجات، فأنا منذ صغري لا أخرج، وأحب العزلة وأشعر باختناق وضيق عند اجتماعي مع الناس .. " منطوية على نفسي "
قبل سنتين زارنا شيخ بدت عليه ملامح التقوى والورع. قلت ها هو ! هذا الذي سينقذني ويعيدني إلى الله ! نعم هذا الذي سيعلمني أصول الدين..
ويا ليتني لم ! ....
تكلمت معه عبر الهاتف لمدة سنة، وكان الهدف معالجتي من المس.
لا أنكر أنها كانت سنة غريبة علي ! فيها كنت أصلي، وأصوم، وأقرأ القرآن يوميا حتى إنني توقفت عن التبرج، وتحصيلي زاد بشكل خيالي، ولكن كنت في نفس الوقت أشعر بالتشنج، والصرع، والتخبط ! وعندما التقيته يوما في متجره أراد جماعي، والخلوة بي. خرجت من المتجر ولم أره منذ ذلك اليوم.
وأنا !! .... وكأن كل شيء انهدم !
أيقنت مؤخرا أن الله لا يحتاج إلى أحد لإيماني به ! هو وحده ! لا يحتاج إلى من يدعي الدين .. نعم ! أصبحت أكره رجال الدين، ولكن عندما أرى أحدهم أضطرب وأقول "ما شاء الله، وأكرهك" في نفس الوقت.
بعدها تعرفت على شاب بهدف مصادقته من طرف أختي الأخرى. خرجت من البيت يومها وأنا أعتقد أنني سأشرب كأس العصير وأعود للبيت، مع العلم أن هذا الشاب أعرفه في بلدتي، ومعروف بأخلاقه وأدبه، ورزانته. لكنه ومن أول لحظه قال لي:" هل تريدين أن أجامعك "
ضحكت كثيرا ! عدت إلى البيت " شيطان والعياذ بالله "
أضحك، وأبكي في نفس الوقت. متخبطة في حركاتي. لا أدرك ما أقول. ولا أتذكر ما قلت. نعم مجنونة ! حتى إنني سمعتها من عائلتي إنك مجنونة !
نعم مجنونة يا أخي الكريم. والله والله والله لو أني أعلم أن الأمان، وحسن الظن سيقودني إلى هذا. ولكن ماذا ينفع الندم ! أعلم أنك ستقول لي خلوتك حرام، والعلاقات غير الشرعيه حرام. وأعلم أن الله أجل وأعظم.
بعدها وقعت في الحب. أحببت الشاب الذي أردت شرب العصير معه. أحببته، تعلق قلبي به وهواه. لم أعد أفكر إلا به. دموعي لا تنفك عن النزول، مع العلم أنه قالها: لا أحبك ! وكل ما أريده قضاء الوقت معك. مع العلم أنه راودتني أحلام كثيرة به، وبالسحر والجن. لا تتوقف هذه الأحلام أبدا أبدا.
ما بالي أكتب لك يا أخي وأنا أعلم أن مبادئي ومعتقداتي هي الخاطئة. الحياة تتلخص بعبادة الله، وحب الحياة، والعمل نحو الخير.
يا أخي والله إنني كنت أفعل الخير، وأصلي، وأعبد الله وهو عالم بذلك، لكني منذ سنتين، أصبحت لا أعرف نفسي، والله أتخبط، وأتشنج، وأتكلم مع نفسي وكأنني لست أنا ! من أنا ؟! حتى إنني لم أعد أركز على شيء. تعبت والله ! لا أعلم لمن ألجأ ! الله فقط هو الذي يراني. حتى أسرتي أصبحت غريبة علي. لم أعد أشعر بحب أو أمان أو اطمئنان. وأنا أجاهد نفسي على الصلاة، وقراءة القرآن. فمرة أشعر بثقل ومرة بنعاس. حتى إنني كنت أرى خيالا يجامعني عند استيقاظي من نومي، وأنا شبه نائمة.
لا أعلم يا أخي ما بالي. عقلي ليس معي، وذلك الشاب لا يفارق خيالي أبدا. وأشعر بضيق في حياتي حتى إنني أدعو الله أن يعفو عني وأموت لأرتاح. حياتي ضاقت علي.
أرجوك ساعدني.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وينفس كربك، ويرزقك السعادة والطمأنينة، والاستقرار النفسي. ومن أهم ما نذكرك به دعاء الله تعالى، فهو مجيب دعوة المضطر، وكاشف الضر؛ قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}. ومن الأدعية المناسبة في هذا المقام دعاء الهم، والغم الذي رواه أحمد عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله عز و جل همه، وأبدله مكان حزنه فرحا. قالوا: يا رسول الله؛ ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات. قال: أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن. وكذلك دعاء المكروب الذي رواه أبو داود في سننه عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. هذا أولا.

 ثانيا: نوصيك بالإكثار من ذكر الله تعالى، فبالذكر يطمئن القلب ويقوى على مواجهة الصعاب؛ قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}. وفي الذكر صيانة للنفس عن الشيطان وكيده، ففي سنن الترمذي عن الحارث الأشعري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات، أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ....وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا، حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله...الحديث. 

 ثالثا: عليك بالصبر، فهو من خير ما يتسلى به المسلم عند حلول البلاء، وعاقبته خير بإذن الله تعالى، ويمكنك مطالعة الفتوى رقم: 18103 ففيها بعض فضائل الصبر. وننبهك في هذا المقام إلى الحذر من أن يكون البلاء سببا في فعل ما يغضب رب الأرض والسماء، من نحو ترك الصلاة أو التفريط فيها، فإن الطاعات سبب لكشف الكربات، والمعاصي سبب للبلايا والرزيات؛ قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}.

رابعا: البحث عن بعض النساء الصالحات ومصاحبتهن، ليكن لك زينا في الرخاء وعدة في البلاء، ويبدو أنك في حاجة إلى ناصح تبوحين له ببعض ما تعانين منه، ليشير عليك بما يجلب لك المصلحة ويدفعك عنك المفسدة، فاتخذي من أمثال هؤلاء الأخوات هاديا ودليلا. ولعلك بذلك تغلقين على الشيطان هذا الباب الخطير وهو العلاقات العاطفية التي قد يزين لك أنه يمكن أن تحققي من خلالها بعض ما تصبين إليه. وراجعي في حكم هذه العلاقات الفتوى رقم: 30003.

خامسا: ننصحك بالتعجيل إلى الزواج، والبحث عن زوج صالح يعينك في حياتك ويقر الله به عينك، ويرزقك منه ذرية صالحة تسعدين بها. علما بأنه يجوز شرعا للمرأة المسلمة البحث عن الرجل الصالح للزواج منه، وعرض نفسها عليه وفقا للضوابط الشرعية كما هو مبين بالفتوى رقم: 18430. وننبهك هنا إلى الحذر من ذئاب البشر الذين قد يستغلون الجانب العاطفي للمرأة، فيخدعونها حتى يحققوا منها مآربهم، ثم يتركونها.

سادسا: احرصي على الرقية الشرعية من القرآن، والأذكار والأدعية النبوية، والأولى أن ترقي نفسك بنفسك ما أمكنك، وإذا احتجت إلى أن يرقيك غيرك من الصالحين فلا بأس، ولكن احذري أن تمكني أحدا من الخلوة بك ولو ظهر لك منه الصلاح، فقد ثبت من حديث عمر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان.

 ثم إنه لا يجوز لك إساءة الظن بمن بدا منه الصلاح لمجرد تصرف ذلك الرجل معك؛ فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}.

سابعا: أن التوتر والاكتئاب قد تكون له آثار وأعراض نفسية، وعضوية شبيهة بما تشعرين به، فقد تكونين في حاجة إلى مراجعة بعض الثقات، وذوي الخبرة من أطباء النفس ليعينوك في العلاج.

ثامنا: نوصيك بأمك خيرا، فاحرصي على البر بها، والوقوف بجانبها وإعانتها في تجاوز ما قد تواجهها من محن والتخفيف عنها، ونصح أخواتك بعدم إطلاع أمهن على مشاكلهن رفقا بها، وحرصا على صحتها.

 وفي الختام نقول إذا أردت المزيد من الاستشارة، فيمكنك الكتابة إلى قسم الاستشارت بموقعنا، فإنهم قد يفيدونك بتوجيهات أكثر وأنفع.

والله أعلم.

www.islamweb.net