الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا قد بينا رجحان تحريم المعازف في الفتوى رقم: 66001.
وأما من قال بإباحة المعازف من أهل العلم كابن حزم والقرضاوي: فلا يعتبر خارجا على شرع الله، لأن الإباحة اعتمدوا فيها على عدم صحة الحديث الدال على التحريم عندهم، وعلى أن الأصل هو الإباحة، والراجح خلاف ما قالوه وأن حديث البخاري في المعازف ثابت، وثبت كذلك عدة أحاديث غيره، كما قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ وقد ذكرنا بعضها في الفتوى المشار إليها، وفي الفتوى رقم: 35708.
هذا، ولا يعتبر اجتهادهم المذكور موجبا لخروجهم على الشرع، فقد ذكر الشاطبي في الاعتصام في كلامه على الفرق أن الخروج على الفرقة الناجية لا يكون إلا في معنى كلي، وأن المسائل الفرعية الاجتهادية لا يعتبر الخلاف فيها كذلك, فيقول رحمه الله تعالى: هذه الفرق إنما تصير فرقا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية، لأن الكليات تقتضي عددا من الجزئيات غير قليل، وشاذها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب، واعتبر ذلك بمسألة التحسين العقلي، فإن المخالفة فيها أنشأت بين المخالفين خلافا في فروع لا تنحصر ما بين فروع عقائد وفروع أعمال، ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات، فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة، كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضا، وأما الجزئي: فبخلاف ذلك، بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة، وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين، حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون ـ ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب ولا هدم للدين، بخلاف الكليات، فأنت ترى موقع اتباع المتشابهات كيف هو في الدين إذا كان اتباعا مخلا بالواضحات وهي أم الكتاب، وكذلك عدم تفهم القرآن موقع في الإخلال بكلياته وجزئياته. اهـ.
ولا يلزم من الخلاف أيضا أن ينالوا مثل أوزار من قلدهم، لأن المجتهد فيما يحق الاجتهاد فيه يعتبر مأجورا على اجتهاده ولا يؤثم بخطئه، ومن المعروف عن ابن حزم وعن القرضاوي الحرص على العمل والتمسك بما علماه من الحق، ونسأل الله أن يثيب علماء الأمة على ما بذلوه وأن يتقبل منهم ما فعلوه من الحسنات الماحية المذهبة للسيئات، وأن يغفر لنا ولهم ولجميع المسلمين.
والله أعلم.