الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلم ببواطن الأمور إن كان المقصود به العلم بالغيب المطلق، فهذا قد ثبت بنصوص القرآن والسنة أنه لا يمكن لأحد علمه، وأن الله استأثر به، وحكم أنه لا يطلع على الغيب إلا رسله.
أما إن كان المقصود بذلك العلم بالغيب النسبي -وهو ما يعلمه بعض الناس دون بعض - فإنه لا مانع من إطلاع الله بعض الناس عليه عن طريق الإلهام، أو الفراسة، أو الرؤيا الصادقة، كما بينا في الفتوى: 210487، والفتوى: 54250.
وهذه الأشياء قد يخص الله تعالى بها من يشاء من عباده، ولكنها ليست شرطًا في الولاية ولا دليلاً على نيل درجة من درجاتها، وإنما مدار الأمر على استقامة الحال، وموافقته للكتاب والسنة؛ فإن أولياء الله تعالى هم من وصفهم الله بقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {يونس:63}. وراجع الفتوى: 99155، والفتوى: 4445.
وبذلك يتضح أن حصول الكرامات ونحوها ليست مقصودة لذاتها، ولا يندب للعبد السعي لنيلها، وإنما عليه أن يسعى لتحقيق الإخلاص لله في أعماله وتحري موافقتها للشرع، فبذلك يصل العبد إلى ولاية الله عز وجل.
قال أبو علي الجوزجاني: كن طالبًا للاستقامة لا طالبًا للكرامة، فإن نفسك منجبلة على طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة" "فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة فهي كل الكرامة، ثم إذا وقع في طريقه شيء خارق كان كأن لم يقع فما يبالي ولا ينقص بذلك، وإنما ينقص بالإخلال بواجب حق الاستقامة. مجموع فتاوى ابن تيمية.
والله أعلم.