الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأحناف لم يكفروا المتلذذ بصوت الأغاني والمعازف، وإنما تناقلوا في كتبهم حديثًا نصه: "استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق, والتلذذ بها كفر" وهذا الحديث لا نعلم له أصلًا، ومع ذلك فقد أول الحنفية أنفسهم لفظ الكفر هنا بثلاثة تأويلات: إما أنه كفر نعمة لا كفر اعتقاد، أو أنه محمول على وجه التشديد والتغليظ لا الكفر حقيقة، أو أنه محمول على من استحل ذلك, وإليك بعض نصوص الحنفية في ذلك:
قال الحصكفي في الرد المختار: قلت: وفي البزازية استماع صوت الملاهي - كضرب قصب, ونحوه - حرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "استماع الملاهي معصية, والجلوس عليها فسق, والتلذذ بها كفر" أي: بالنعمة, فصرف الجوارح إلى غير ما خلق لأجله كفر بالنعمة, لا شكر, فالواجب كل الواجب أن يجتنب كي لا يسمع؛ لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أدخل أصبعه في أذنه عند سماعه, وأشعار العرب لو فيها ذكر الفسق تكره، اهـ أو لتغليظ الذنب - كما في الاختيار - أو للاستحلال - كما في النهاية -. انتهى
وفي بريقة محمودية: (قال قاضي خان عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم {استماع الملاهي معصية}) إذا لم يكن بضرورة, أو يفرق بين الاستماع والسماع, ففي الاستماع الحرمة مطلقًا (والجلوس عليها فسق) فيه إشارة إلى أن الجلوس فوق الاستماع في الإثم, ولذا قيد المعصية هنا بالصغيرة, (والتلذذ بها من الكفر, إنما قال عليه الصلاة والسلام ذلك) أي: التلذذ بها كفر (على وجه التشديد) والتهديد لا على وجه التحقيق, أو محمول على الاستحلال, أو على كفران نعمه؛ إذ صرف الجوارح إلى غير ما خلقت له كفر بالنعمة, لعل وجه التشديد إرادة الكفر الحقيقي من اللفظ, ولا يريده, بل يريد معنى مجازياً.
واعلم أن التلذذ بالمعصية لا يستلزم بالضرورة استحلالها واطمئنان القلب بها, وراجع الفتوى رقم: 138223.
ولمزيد الفائدة في خصوص كفر النعمة وغيره من أنواع الكفر راجع الفتويين التاليتين: 178149 // 38537.
والله أعلم.