الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أولا أن المسائل التي فيها خصومة بين الأولاد فيما يتعلق بالهبة أو الميراث لا يُكتفى فيها بسماع أحد الأطراف دون الآخر، بل لا بد من سماع جميع الأطراف حتى تتبين صورة المسألة كاملة ويفتى أو يحكم فيها على بصيرة, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: يَا عَلِيُّ؛ إِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ. رواه أحمد.
كما أن مسائل الخصام لا بد أن ترفع إلى القضاء الشرعي.
والذي يمكننا قوله على سبيل الإجمال هو أن الوالد مطالب بالعدل في هبته لأولاده، ولا يجوز له أن يعطي بعضهم دون بعض من غير مسوغ شرعي، لحديث: اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ.
ومن المسوغات التي تبيح تفضيل بعضهم على بعض كون بعض الأولاد فاسقا أو يصرف ما يأخذه في المعصية، كما قال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ لِمَعْنًى يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ، مِثْلَ اخْتِصَاصِهِ بِحَاجَةٍ، أَوْ زَمَانَةٍ، أَوْ عَمَى، أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ، أَوْ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ، أَوْ صَرَفَ عَطِيَّتَهُ عَنْ بَعْضِ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ، أَوْ بِدْعَتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. اهـ.
وإذا كان الوالد قد كتب الأرض على أنها وصية ـ وليست هبة في حياته ـ يأخذونها بعد مماته، فهذه وصية لوارث وهي ممنوعة شرعا ولا تمضي إلا إذا رضي بها أولاده المحرومون منها، فإذا لم يرضوا أخذوا نصيبهم من الأرض كاملا، وانظر الفتويين رقم: 101286، ورقم: 103527، وكلاهما عن العدل بين الأولاد ورد الهبة الجائرة, والفتويين رقم: 121878، ورقم: 170967، وكلاهما عن الوصية للوارث وأقوال الفقهاء فيها.
والله أعلم.