الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحرم منع الأنثى من حقها في الميراث، والوزر في ذلك على من حرمها, وليس ذلك بمانع من الزواج منها، ولا يلزم من زواج الشاب منها مشاركته لأهلها في ذلك.
وإليك ـ أختي الكريمة ـ تفصيل ذلك: إن امتهان الإناث ومنعهن من حقوقهن من عادات الجاهلية الأولى, ففي تفسير الطبري عند قوله تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (النساء:7) قال بعضهم: "يا رسول الله، أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس, ولا تقاتل القوم، ونعطي الصبيَّ الميراث وليس يغني شيئًا؟! وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، لا يعطون الميراث إلا من قاتل، يعطونه الأكبر.
وهذا الفعل من الكبائر، فإنّ من منع الأنثى حقها من الميراث فقد عصى الله ورسوله، ولا يكفر ما لم يستحله، وقد ختم الله آيات الإرث في سورة النساء بوعيد مخيف فقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (النساء:14)، وفاعل الكبيرة فاسق إن علم ولم يتب ويعيد الحق لأهله, ولا يلزم من فسق ولي المرأة سقوط ولايته عند طائفة من الفقهاء, كما تقدم تقريره في الفتوى رقم: 110087.
وليس من شرط صحة نكاح المرأة عدم فسق أبيها, فكم من فتاة صالحة أهلها فاسقون! فهل تترك لأمثالهم, والله يقول: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (النور:26) فدخل في عمومها الطيبون من الرجال والطيبات من النساء، بل إن نكاحه منها قد يكون طريقًا إلى تعويضها عما قد يفوتها من حقها في الميراث, وإذا تزوجت المرأة صارت طاعة زوجها مقدمة على طاعة والديها، وله أن يهبها في حياته ما تستحقه من ميراث على فرض موته, إذا علم أنه ستحرمه بسبب عوائد أهلها الجاهلية.
أما أن تؤخذ بجريرة أهلها وتمنع من زواج من يعفها بدعوى أنه سيكون شريكًا في المعصية فلا يستقيم، فإن الوسائل لا تؤخذ بالاحتمال، ولو حصل وشارك هذا الزوج في ذلك المنع فمنعَها أو بناتِها من الميراث فهذا إثم عظيم في نفسه، لكنه لا يؤثر في صحة نكاحه منها.
والله أعلم.