الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الواضح أنك تعانين من الوسوسة في مخارج الحروف، فنسأل الله العافية لك وللمبتلين بها من المسلمين, فإنها من أخطر الأمراض التي إذا تمكنت من العبد أفسدت دنياه وآخرته.
وقد حذر أهل العلم من الوسوسة في المخارج مبينين خطرها، ومخالفتها للحنيفية السمحة, قال ابن القيم - رحمه الله - في إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: فصل: ومن ذلك الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها.
ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم: قال أبو الفرج بن الجوزى: "قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف، فتراه يقول: الحمد، الحمد, فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة, وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد "المغضوب" قال: "ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده, والمراد تحقيق الحرف حسب, وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق، ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة, وكل هذه الوساوس من إبليس.
ثم ختم ابن القيم - رحمه الله - الفصل بقوله: ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع والتشدق والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته. انتهى.
وما دمت تعانين من الوسوسة فلا حرج عليك أن تأخذي بمذهب المالكية, واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في عدم اشتراط إسماع القارئ نفسه، وأن الإجزاء يحصل بإخراج الحروف من مخارجها, وتحريك اللسان والشفتين وإن لم يسمع نفسه، وهذا القول قد رجحه من العلماء المعاصرين ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -.
واعلمي أن الخشوع في الصلاة هو مقصودها الأعظم، وأن تلك الوسوسة والاسترسال معها يفوت ذلك المقصود.
وما تفعلينه من رفع الصوت في موضع من القراءة بغية التحقق من نطق الحرف أو الشدة هو من الوسوسة، وإن كان ذلك في صلاة سرية فإنه لا يشرع، ولكن لا تبطل صلاتك بالجهر، ولا يجب عليك سجود للسهو؛ لكون الإسرار والجهر في موضعه مستحبًا وليس بواجب على قول كثير من أهل العلم, وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 135271، 137581، 51601.
والله أعلم.