الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنصر الله لأهل الإيمان مشروط بنصرهم لدين الله واستجابتهم لأمره سبحانه، وأما حفظ القرآن فهو بأسباب أيضاً، ولكن هذه الأسباب متحققة بإرادة الله سبحانه فلا تتخلف.
وأما الكعبة، فقد ورد في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة.
وقد هدم عبد الله بن الزبير الكعبة وأعاد بناءها على قواعد إبراهيم عليه السلام، ثم هدمها الحجاج وبناها على وفق ما بناها أهل الجاهلية.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قيل هذا الحديث يخالف قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً [العنكبوت:67].
ولأن الله حبس عن مكة الفيل ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ولم تكن إذا ذاك قبلة، فكيف يسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلة للمسلمين؟ وأجيب بأن ذلك محمول على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة حيث لا يبقى في الأرض أحد يقول: الله الله، كما ثبت في صحيح مسلم : لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله. ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان : لا يعمر بعده أبداً.
وقد وقع قبل ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية، ثم من بعده في وقائع كثيرة أعظمها وقعة القرامطة بعد الثلاثمائة فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرة، وقلعوا الحجر الأسود فحولوه إلى بلادهم ثم أعادوه بعد مدة طويلة، ثم غزي مراراً بعد ذلك، كل ذلك لا يعارض قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً [العنكبوت:67]. لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين. فهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: ولن يستحل هذا البيت إلا أهله. فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو من علامات نبوته، وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها. انتهى.
والله أعلم.