الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أيها السائل أن للذنوب والمعاصي أثرا عظيما في إفساد القلب وإضلاله، وإفساح المجال للشيطان للدخول إليه؛ قال تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. { سورة المطففين : 14 }.
قال الشوكاني في تفسيره فتح القدير: هو أنها كثرت منهم المعاصي والذنوب، فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها. قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب. قال مجاهد: القلب مثل الكف، ورفع كفه فإذا أذنب انقبض، وضم إصبعه، فإذا أذنب ذنباً آخر انقبض ، وضم أخرى حتى ضم أصابعه كلها، حتى يطبع على قلبه. قال: وكانوا يرون أن ذلك هو الرين. اهـــ.
فما تجده من قسوة القلب، والوقوع في الذنوب صغيرها وكبيرها، وورود الشبهات على قلبك، إنما هو بسبب الذنوب. فإذا أردت أن تعالج قلبك فابتعد عن الداء وهو الذنوب، واستعمل الدواء وهو في الإقبال على كتاب الله تعالى تلاوة وتدبرا، والإكثار من دعائه والإنابة إليه؛ فإن الله تعالى يتوب على المنيبين؛ قال تعالى: ... قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ. {سورة الرعد : 27 }.
واحرص على مخالطة الصالحين ومجالستهم؛ فإن من أسباب العودة إلى الذنب بعد التوبة منه مخالطة رفقاء السوء، والبقاء في البيئة الفاسدة التي تحيط بالمرء؛ ولذا لما أراد القاتل تسعة وتسعين نفسا أن يتوب دله العالم على أن يهاجر من أرضه؛ لأنها أرض سوء ويذهب إلى أرض بها أناس صالحون يعبد الله معهم, والحديث في صحيح مسلم.
قال النووي في شرحه: فِي هَذَا اِسْتِحْبَاب مُفَارَقَة التَّائِب الْمَوَاضِع الَّتِي أَصَابَ بِهَا الذُّنُوب، وَالْأَخْدَان الْمُسَاعِدِينَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُقَاطَعَتهمْ مَا دَامُوا عَلَى حَالهمْ، وَأَنْ يَسْتَبْدِل بِهِمْ صُحْبَة أَهْل الْخَيْر وَالصَّلَاح، وَالْعُلَمَاء وَالْمُتَعَبِّدِينَ الْوَرِعِينَ وَمَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ، وَيَنْتَفِع بِصُحْبَتِهِمْ، وَتَتَأَكَّد بِذَلِكَ تَوْبَته. اهــ.
ولتحذر كل الحذر من أن تعتقد أن الله لن يتوب عليك أبدا؛ لأن هذا قنوط من رحمة الله, وهو محرم، ولا يقل عن الذنوب التي وقعت فيها. وقد جاء في الحديث الذي رواه البزار وحسنه الألباني: الكبائر: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله . وعند البخاري في الأدب المفرد مرفوعا: ثلاثة لا تسأل عنهم - وذكر منهم - رجل في شك من أمر الله، والقنوط من رحمة الله. فإياك أن تقنط فإن الله غفور رحيم سبحانه وتعالى، ومن محبته للمغفرة أنه لو لم نذنب لذهب الله بنا وأتى بقوم يذنبون ليغفر لهم كما في صحيح مسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ.
نسأل الله أن يطهر قلبك، ويصلح حالك، ويقوي إيمانك.
والله تعالى أعلم.