الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أحدًا من العلماء اشترط لإقامة حد السرقة أن يملك السارق قوت يومه، وإنما يذكر الفقهاء أن من الشبهات التي تدرأ حد السرقة عن السارق أن يكون مضطرًا، أو محتاجًا لا يجد طعامًا فيسرق ما يأكله، أو ما يشتري به ما يأكله، ففي هذه الحال لا يقام عليه حد السرقة، جاء في المغني لابن قدامة: فصل: قال أحمد: لا قطع في المجاعة ـ يعني أن المحتاج إذا سرق ما يأكله، فلا قطع عليه ـ لأنه كالمضطر، وروى الجوزجاني عن عمر، أنه قال: لا قطع في عام سنة ـ وقال: سألت أحمد عنه فقلت: تقول به؟ قال: إي لعمري، لا أقطعه إذا حملته الحاجة، والناس في شدة ومجاعة، وعن الأوزاعي مثل ذلك، وهذا محمول على من لا يجد ما يشتريه، أو لا يجد ما يشتري به، فإن له شبهة في أخذ ما يأكله، أو ما يشتري به ما يأكله، وقد روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن غلمان حاطب بن أبي بلتعة انتحروا ناقة للمزني، فأمر عمر بقطعهم، ثم قال لحاطب: إني أراك تجيعهم، فدرأ عنهم القطع؛ لما ظنه يجيعهم، فأما الواجد لما يأكله، أو الواجد لما يشتري به وما يشتريه، فعليه القطع وإن كان بالثمن الغالي، ذكره القاضي، وهو مذهب الشافعي. اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية في شروط إقامة حد السرقة: الشرط الثالث: عدم الاضطرار، أو الحاجة:
أـ الاضطرار شبهة تدرأ الحد، والضرورة تبيح للآدمي أن يتناول من مال الغير بقدر الحاجة؛ ليدفع الهلاك عن نفسه، فمن سرق ليرد جوعًا، أو عطشًا مهلكًا، فلا عقاب عليه؛ لقوله تعالى: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه.
ب ـ والحاجة أقل من الضرورة، فهي كل حالة يترتب عليها حرج شديد وضيق بين؛ ولذا فإنها تصلح شبهة لدرء الحد، ولكنها لا تمنع الضمان والتعزير، من أجل ذلك أجمع الفقهاء على أنه لا قطع بالسرقة عام المجاعة، وفي ذلك يقول ابن القيم: وهذه شبهة قوية تدرأ الحد عن المحتاج، وهي أقوى من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء، لا سيما وهو مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد به رمقه، وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون، ولا يتميز المستغني منهم والسارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه فدرئ. اهـ باختصار.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 80991، ورقم: 55277.
والله أعلم.