الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخارج بشهوة قد يكون منيا، وقد يكون مذيا، ولكل واحد منهما خصائصه، وقد ذكر النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح مسلم خصائص مني المرأة بقوله: وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ: فَهُوَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ وَقَدْ يَبْيَضُّ لِفَضْلِ قُوَّتِهَا، وَلَهُ خَاصِّيَّتَانِ يُعْرَفُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: إِحْدَاهُمَا أَنَّ رَائِحَتَهُ كَرَائِحَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ، وَالثَّانِيَةُ التَّلَذُّذُ بِخُرُوجِهِ وَفُتُورُ شَهْوَتِهَا عَقِبَ خُرُوجِهِ. انتهى.
وأما خصائص المذي: فقد ذكرها النووي أيضا في المجموع بقوله: وَأَمَّا الْمَذْيُ: فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ يَخْرُجَ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يَحُسُّ بِخُرُوجِهِ، وَيَشْتَرِك الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَإِذَا هَاجَتْ الْمَرْأَةُ خَرَجَ مِنْهَا الْمَذْيُ، قَالَ وَهُوَ أُغْلَبُ فِيهِنَّ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ. انتهى.
فإذا كان الخارج منك منياً، فالواجب عليك الغسل متى خرج منك، وإن تراخى ذلك عن وقت حصول الشهوة، فقد جاء في الحديث الشريف: الماء من الماء. أخرجه مسلم.
ولأمره صلى الله عليه وسلم المرأة أن تغتسل إذا رأت الماء في الحديث المتفق عليه.
وأما إذا كان الخارج منك مذياً: فالواجب عليك الوضوء فقط، بعد تطهير المخرج وغسل ما أصاب البدن والثياب منه.
وأما إذا شككت في الخارج هل هو مني أو مذي؟ فلا يجب عليك الغسل، بل أنت مخيرة في أن تعطي هذا الخارج حكم أحد المشكوك فيهما، وهذا مذهب الشافعية، قال النووي في المجموع: إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، ثم ذكر المشهور عند الشافعية، فقال: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْتِزَامِ حُكْمِ الْمَنِيِّ أَوْ الْمَذْيِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ، وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا مُعَارِضَ لِهَذَا الْأَصْلِ. انتهى.
وقد يخرج المني بمجرد التفكر في الجماع، فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء هذا السؤال: قد تنتاب الإنسان شهوته فيفكر في الجماع كثيرا فينزل منه المني، فهل هذا يدخل من ضمن العادة السرية، هذا أمر، وإذا كان يفكر في الجماع لينزل المني فيشعر باللذة، فهل هذا من قبيل العادة السرية أيضا؟ فأجابت: إذا عرضت للإنسان خطرة ففكر في الجماع عفوا فلا حرج عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ لما في الصحيح عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ـ وفي رواية: ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلم ـ لكن على من فكر فأنزل من تلذذه بالفكرة أن يغتسل، لأن حكم الجنابة قد تعلق به والحالة هذه، أما إذا كان يعمد إلى هذا التفكير ويستجلبه بين الحين والآخر فهذا لا يجوز، ولا يليق بخلق المسلم، وينافي كمال المروءة، وعلى المسلم أن يكف عنه ويشتغل بما يصرفه عن إثارة شهوته بما ينفعه في دينه ودنياه، على أن تعمد الإثارة بغير الطريق المشروع مضر بالصحة في البدن والعقل، ويخشى أن يجر إلى ما لا تحمد عقباه. انتهى.
فإذا علمت ما سبق، فإن ما صليت من صلوات دون غسل وكان الخارج منك منيا، فإنه يجب عليك إعادة الصلوات التي صيلتها بدون غسل ولو كنت جاهلة للحكم على الراجح من كلام أهل العلم، ولمعرفة اختلافهم في هذا انظري الفتوى رقم: 98617.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاويين رقام: 161293، ورقم: 110928.
والله أعلم.