الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رضا القلب بالكفر هو الذي يعد كفرًا، وأما مجرد الإعانة على الكفر مع عدم الرضا به: فلا يصح الإطلاق بأنه كفر, وإنما هو محرم حتى يكون مع الإعانة رضى بالكفر، وخذ مثلًا ما ذكره الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ في بناء الكنائس، حيث قال: أكره للمسلم أن يعمل بناء، أو نجارًا، أو غير ذلك في كنائسهم التي لصلاتهم.
فهذا البنّاء أو النجار لا شك أن في بنائه ونجارته نوع إعانة للكفار على كفرهم، ومع ذلك لم يكفره الشافعي، بل كره ذلك ـ أي حرّمه ـ وقال السبكي - رحمه الله -: فَإِنَّ بِنَاءَ الْكَنِيسَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا تَرْمِيمُهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَوْ وَصَّى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ، وَكَذَا تَرْمِيمُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَصِّي مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَ الْوَقْفُ بَاطِلًا مُسْلِمًا كَانَ الْوَاقِفُ أَوْ كَافِرًا، فَبِنَاؤُهَا وَإِعَادَتُهَا وَتَرْمِيمُهَا مَعْصِيَةٌ مُسْلِمًا كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ أَوْ كَافِرًا، هَذَا شَرْعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
فقد ذكر أن بناء الكنيسة معصية، وأن الحكم لا يتغير - مُسْلِمًا كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ أَوْ كَافِرًا ـ فسماه مسلمًا، فكل ما ذكرته ـ أيها السائل ـ من صور فهي إما أنها لا تعد من الكفر إلا مع رضا القلب، أو أنها مجرد معصية والتكفير بها بعيد، أو أنها مجرد وساوس لا حقيقة لها.
وبالجملة, فسبب سؤالك وما أنت فيه هو الوسواس، فاتق الله في نفسك، واشغلها بما ينفعك عند الله تعالى، ولا تتبع خطوات الشيطان، وننصحك بالكف عن هذه الوساوس, وعدم التفكير في ما مضى منها، أو فيما يستقبل لسوء عاقبتها عليك، وإذا استمرت بك فاعرض نفسك على بعض الدعاة والمشايخ لمعالجتك, ونصحك بما ينبغي, وبيان المسألة لك بمزيد من الإيضاح، ونسأل المولى جل وعلا أن يمنّ عليك بالصحة والعافية، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والله أعلم.