الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ينص عليه شيخ الإسلام - كغيره من العلماء - هو أن الدم نجس، قال في المستدرك على مجموع الفتاوى: قال: يعني شيخ الإسلام: ولا يجوز كتابتها ـ يعني الرقى ـ بدم، فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يكتب به كلام الله، ونقل ابن حزم في مراتب الإجماع: الاتفاق على نجاسة الدم, ولم يتعقبه شيخ الإسلام في نقده له، وعبارة ابن حزم: وَاتَّفَقُوا على أَن الْكثير من الدَّم ـ أَي دم كَانَ حاشا دم السّمك، وَمَا لَا يسيل دَمه ـ نجس، وَاخْتلفُوا فِي حد الْكثير من الظفر إلى نصف الثَّوْب. انتهى.
وبه يتبين لك بوضوح مذهب الشيخ ـ رحمه الله ـ في المسألة، وهذه المسألة ـ نعني نجاسة الدم ـ منصوصة في كتب الفقه الصغار والكبار، وقد نقل عليه الإجماع غير واحد من أكابر العلماء، كالإمام أحمد وغيره، قال ابن القيم: وسئل أحمد - رحمه الله -: الدم والقيح عندك سواء؟ فقال: لا، الدم لم يختلف الناس فيه، والقيح قد اختلف الناس فيه.
وقال النووي - رحمه الله -: والدلائل على نجاسة الدم مُتَظَاهِرَةٌ, وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ طَاهِرٌ, وَلَكِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ، وَالْخِلَافِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الأصول من أصحابنا وغيرهم, لا سيما فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّاتِ. انتهى.
وذكر ما لأهل العلم من كلام في هذه المسألة يطول جدًّا، وفيما ذكرناه مقنع، فتبين بهذا أن الخلاف في نجاسة الدم خلاف ضعيف, وإن ذهب إلى القول بطهارته بعض أفاضل العلماء، وقولهم مردود؛ لأنهم محجوجون بما ذكرنا من الإجماع، وقد توسع الشيخ عطية سالم ـ رحمه الله ـ في إيراد النقول في هذه المسألة في كتاب كبير له عن أحكام الدماء، فانظره إن شئت.
والله أعلم.