الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الأمثلة التي ذكرتها تدخل في المعاريض والتورية: وهي أن يتلفظ الشخص بكلام يحتمل معنيين: أحدهما قريب غير مقصود، والآخر بعيد هو المقصود، وقد صح عن عمران بن حصين قوله: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد.
والتورية في الأصل غير مذمومة من الناحية الشرعية إلا إذا توصل بها إلى إحقاق باطل، أو إبطال حق، أو نحو ذلك، وينبغي أن يعلم أن اليمين على نية الحالف إذا نوى غير ما أظهره، وكان لفظه يحتمل ما نواه فيقبل قوله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى.
وهذا إذا لم يتعلق بيمينه حق لغيره، أما إذا تعلق بها حق لغيره، فإن النية فيها تكون حينئذ للمستحلف ـ أي: المحلوف له ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: يمينك على ما يصدقك به صاحبك.
وفي بعض ألفاظه: اليمين على نية المستحلف. رواه مسلم وابن ماجه.
وكذلك ينبغي ألا يتوسع في المعاريض حتى لا تفضي بصاحبها إلى الكذب، وإنما يستعملها عند الحاجة، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وَتُبَاحُ الْمَعَارِيضُ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيُّ: عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَتُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ, وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ الْمَعَارِيضِ لِغَيْرِ الظَّالِمِ. انتهى.
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: فإن المعاريض عند الحاجة والتأويل في الكلام، وفي الحلف للمظلوم بأن ينوي بكلامه ما يحتمله اللفظ، وهو خلاف الظاهر، كما فعل الخليل صلى الله عليه وسلم، وكما فعل الصحابي الذي حلف أنه أخوه وعنى أنه أخوه في الدين، وكما قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: رجل يهديني السبيل ـ وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم للكافر الذي سأله ممن أنت؟ فقال: نحن من ماء ـ إلى غير ذلك، أمر جائز.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 68919.
والله أعلم.