الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشراء مندوب المشتريات لشركته من مؤسسته الخاصة، هو ما يعرف بمسألة شراء الوكيل من نفسه. وقد اختلف فيها الفقهاء، فمنهم من منع ذلك بإطلاق، ومنهم من أجازه عند انتفاء التهمة. وهذه هي بعض نصوصهم في ذلك:
قال في نصب الراية -وهو من كتب الحنفية-: (والوكيل بالبيع والشراء لا يجوز له أن يعقد مع أبيه وجده، ومن لا تقبل شهادته له عند أبي حنيفة رحمه الله. وقال: يجوز بيعه منهم بمثل القيمة إلا من عبده أو مكاتبه) لأن التوكيل مطلق ولا تهمة إذ الأملاك متباينة، والمنافع منقطعة بخلاف العبد; لأنه بيع من نفسه؛ لأن ما في يد العبد للمولى...
وقال النفراوي في الفواكه الدواني وهو من كتب المالكية: الفرع السادس: وكيل البيع أو الشراء لا يجوز له الشراء لنفسه، ولا البيع من نفسه ومحجوره كولده الصغير أو السفيه بمنزلته لاتهامه، إلا أن يكون ذلك بحضرة الموكل أو يسمي له الثمن، فيجوز له شراء ما وكل على بيعه بعد تناهي الرغبات فيه.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب شرح روض الطالب –وهو شافعي-: (ولا يجوز) بيعه ولا شراؤه (من نفسه وطفله) ونحوه من محاجيره (ولو أذن) له فيه لتضاد غرضي الاسترخاص لهم، والاستقصاء للموكل؛ ولأن الأصل عدم جواز اتحاد الموجب والقابل وإن انتفت التهمة؛ ولأنه لو وكله ليهب من نفسه لم يصح وإن انتفت التهمة لاتحاد الموجب والقابل...
وفي الإقناع من كتب الحنابلة: ولا يصح بيع وكيل لنفسه، ولا شراؤه منها لموكله إلاَّ بإذنه.
قال البهوتي في شرحه للإقناع لهذه اللفظة: بأن أذن له في البيع من نفسه، أو الشراء منها فيجوز لانتفاء التهمة، فيصح تولي طرفي عقد فيهما. اهـ.
ومما سبق يتضح أن عدم جواز ذلك عند وجود التهمة هو محل اتفاق، وإنما الخلاف فيما إذا إذن الموكل؛ وذلك لانتفاء التهمة.
وبخصوص مسألتك، فحيث إن الشركة قد وكلتك في إحضار عروض الأسعار، فإنك متهم بمحاباة نفسك عن طريق التحايل بإحضار عروض أسعار أعلى من عرض مؤسستك، وعلى ذلك فشراؤك من مؤسستك غير جائز على كلا القولين؛ لاتفاقهم على منع ذلك عند وجود التهمة كما سبق. ولا ينفي التهمة عنك إلا إذن الموكل. والإذن المعتبر هنا هو إذن صاحب الشركة، وأما مدير الفرع فلا يعتبر إذنه في ذلك، بل قد تلحقه التهمة أيضا، ما لم يأذن صاحب الشركة له بذلك.
وانظر الفتوى رقم: 194599 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.