الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأفضل لطالب العلم والأولى به أن يبدأ بدراسة العلم على شيخ في مذهب معين، ولا يجب عليه أن يتقيد بمذهب شيخه أو المذهب الذي درسه في كل جزئية، وإنما الذي يجب أن يتقيد به هو الكتاب والسنة حيث ظهر له الدليل منهما، ولا يجوز له العدول عن ذلك إلى قول أحد كائناً من كان، وانظر تفاصيل ذلك وأقوال أهل العلم فيه في الفتوى رقم:56633.
وأما متى يستطيع طالب العلم أن يرجح بين الأدلة في المسألة؟ فذلك عندما يعرف مَن له ملكة أوجه الترجيح وما ورد في المسألة من نصوص الشرع وأقوال أهل العلم، وأوجه الترجيح كثيرة كما قال صاحب المراقي:
وقد خلت مرجحات فاعتبر وأعلم بأن كلها لا ينحصر
قطب رحاها قوة المظنّهْ فهي لدى تعارض مئنّهْ.
وقال الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه: قال صاحب الضياء اللامع في المرجحات: ومن رام هذه الأجناس بضابط فقد رام شططاً لا تتسع له قوة البشر.
والترجيح لا يلجأ إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأدلة، ومحله التعارض بين الظنيات، فلا تعارض بين الدليلين القطعيين، ولا بين القطعي والظني، وأهم أوجهه ترتيب الأدلة.. فيقدم القطعي على الظني، والنص من الكتاب والسنة على القياس، والحديث الصحيح على الحسن.. وإذا اختلف ما في درجة واحدة منها جمع بينها إن أمكن، وإلا رجح بينها، فإن لم يمكن الجمع ولا الترجيح اعتبر المتأخر منها ناسخا للمتقدم، قال الشنقيطي في المذكرة: أما ترتيب الأدلة: فقد ذكر أن المقدم منها الإجماع، ثم المتواتر من الكتاب أو السنة، فتواتر السنة في مرتبة القرآن، ثم أخبار الآحاد، والإجماع الذي يذكر الأصوليين تقديمه على النص هو الاجماع القطعي خاصة.. أما غير القطعي من الإجماعات: فلا يقدم على النص، والتعارض لا يكون بين قطعيين، ولا بين قطعي وظني، وإنما يكون بين ظنيين فقط.
وانظر الفتوى رقم: 17519، وما أحيل عليه فيها للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.