الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في القدر المحرم من الرضاعة، فمنهم من قال: إن قليل الرضاعة وكثيرها محرم، ومنهم من قال: لا يحرم إلا ثلاث رضعات فصاعداً، ومنهم من قال: لا يحرم إلا خمس رضعات، ولكل منهم دليله الذي يدعم به قوله ويقوي به رأيه. والذي نراه هو أن الرأي الأخير أرجح، لما في صحيح مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ. مع التنبيه إلى أن الرضاع لا ينشر الحرمة إلا إذا كان في الحولين، كما سبق في الفتوى رقم: 111888.
والرضعة الواحدة يرجع في قدرها إلى ما تعارف عليه الناس عادة، قال ابن قدامة في المغني: وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الرَّضْعَةِ إلَى الْعُرْفِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَا مُطْلَقًا، وَلَمْ يَحُدَّهَا بِزَمَنِ وَلَا مِقْدَارٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهُمْ إلَى الْعُرْفِ، فَإِذَا ارْتَضَعَ الصَّبِيُّ وَقَطَعَ قَطْعًا بَيِّنًا بِاخْتِيَارِهِ، كَانَ ذَلِكَ رَضْعَةً، فَإِذَا عَادَ كَانَتْ رَضْعَةً أُخْرَى. انتهى.
وعليه؛ فما دام ابنا خالتك قد أرضعتهما أمك أقل من خمس رضعات مشبعات، فإنهما لا يعتبران أخوين لك على الراجح من أقوال أهل العلم، وإن كنا ننصحك بالتنزه عن الزواج من ابن خالتك، لما فيه من الورع مراعاة لقول القائلين بالتحريم بالرضاعة القليلة.
وأما الاحتمال الذي ذكرته من كون الابن الأكبر لخالتك أخا لك من الرضاعة، فإن إخوة الأخ من الرضاعة ذكوراً أو إناثاً ليسوا إخوة لك ولا لإخوتك وأخواتك، لأنهم لم يشاركوا الأخ من الرضاعة في ارتضاع اللبن من أمك. وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 203086، 54322، 80376.
والله أعلم.