الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن تلك الأفكار والخطرات التي تأتيك، لا شك أنها من الشيطان الذي يريد أن يصدك بها عن دين الله تعالى، ويشوش عليك عبادتك حتى تستثقليها وتتركيها. والمسلم حقا يوقن بأن الإسلام هو دين الله الذي لا يرضى من الخلق دينا سواه، كما قال تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ... } آل عمران : 19 , وكما قال تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران : 85 , وهو دين إبراهيم، وموسى، وعيسى وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما فصلناه في الفتوى رقم: 184929, وكيف تكون النصرانية المعاصرة هي الحق وهي مخالفة لدين عيسى عليه السلام، وليس لدى معتنقيها الآن الإنجيل الذي أنزله الله تعالى عليه، بل نسخ مختلفة متباينة، مزورة، لعبت بها أيدي البشر، ومكتوبة بغير اللغة التي نزل بها على عيسى فأين عقلك أيتها السائلة!
وينبغي لك أن تعلمي أن تلك الوساوس إذا كانت مجرد خطرات تدفعينها وتكرهينها، ولم تستقر في قلبك، فإنها لا تؤثر على دينك إن شاء الله. وأما إذا استقرت وصارت شكا، فإنها تخرجك من الدين, وللاطلاع على نواقض الإسلام باختصار انظري الفتوى رقم: 146893.
وأما التخيلات الجنسية فإنه ليس لها تأثير على صحة الصيام، فصيامك صحيح ولا تلزمك كفارة؛ وانظري الفتوى رقم: 148451، والفتوى رقم: 213304وكلاهما عن التخيلات الجنسية وتأثيرها على الصيام .
وكذا لا يلزمك الغسل لمجرد الشك في خروج المني، والله تعالى لم يأمرك أن تعيدي الاغتسال كل يوم كما تفعلين، فهذا من وساوس الشيطان. فننصحك بتقوى الله تعالى وعدم الاسترسال مع تلك الوساوس، والاجتهاد في دفعها والالتهاء عنها بأمر مفيد، واستعيذي بالله منها؛ كما قال تعالى: { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } الأعراف : 200- 201 .
قال الجصاص في أحكام القرآن: فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى نَزْغَ الشَّيْطَانِ إيَّانَا إلَى الشَّرِّ، عَلِمْنَا كَيْفَ الْخَلَاصُ مِنْ كَيْدِهِ وَشَرِّهِ بِالْفَزَعِ إلَيْهِ وَالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ وَكَيْدِهِ، وَبَيَّنَ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَنَّهُ مَتَى لَجَأَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ وَاسْتَعَاذَ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ، حَرَسَهُ مِنْهُ وَقَوَّى بَصِيرَتَهُ بِقَوْلِهِ: { إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الطَّيْفُ هُوَ النَّزْغُ. وَقَالَ غَيْرُهُ : { الْوَسْوَسَةُ } وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَتَى اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ أَعَاذَهُ مِنْهُ وَازْدَادَ بَصِيرَةً فِي رَدِّ وَسْوَاسِهِ، وَالتَّبَاعُدِ مِمَّا دَعَاهُ إلَيْهِ، وَرَآهُ فِي أَخَسِّ مَنْزِلَةٍ وَأَقْبَحِ صُورَةٍ؛ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِ إنْ وَافَقَهُ، وَهَوَّنَ عِنْدَهُ دَوَاعِيَ شَهْوَتِهِ. اهــ
وأكثري من دعاء الله تعالى بأن يصرفها عنك، ويثبت إيمانك؛ فإنه خير معين، ونعم المولى، ونعم النصير .
والله تعالى أعلم.