الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص الفقهاء على أن الزوجة إذا تنازلت عن شيء من حقوقها ليمسكها زوجها، ثم تراجعت وطالبت بهذا الحق، فلها ذلك.
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: ومتى رجعت الواهبة في ليلتها، فلها ذلك في المستقبل; لأنها هبة لم تقبض، وليس لها الرجوع فيما مضى; لأنه بمنزلة المقبوض. ولو رجعت في بعض الليل، كان على الزوج أن ينتقل إليها، فإن لم يعلم حتى أتم الليلة، لم يقض لها شيئا; لأن التفريط منها. اهـ.
وقال المرداوي في الإنصاف - وهو حنبلي أيضا: يجوز للمرأة بذل قسمها، ونفقتها وغيرهما ليمسكها، ولها الرجوع؛ لأن حقها يتجدد شيئا فشيئا . اهـ.
وعلى هذا؛ فالواجب أن تؤدي إليها حقوقها ما دامت في عصمتك، فذلك من الإمساك بالمعروف الذي أمر به الله تعالى في كتابه. فإن لم تؤد إليها شيئا من حقها فأنت ظالم لها، وكرهك لها ليس عذرا يبرر ظلمها. وأنت في سعة في أمرك فإن شئت طلقتها، والطلاق أفضل إذا لم يحقق الزواج مقصوده الشرعي.
قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا بإلزام الزوج النفقة والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 48538.
ولا ينبغي أن تعذب نفسك بها من أجل إرضاء أهلها، أخرج الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يدعون الله، فلا يستجاب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجلٍ مال فلم يشهد عليه، ورجل أعطى سفيهاً ماله، وقد قال عزّ وجل: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ. {النساء:5}.
قال العلامة المناوي في فيض القدير: ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق (بالضم) فلم يطلقها، فإذا دعا عليها لا يستجيب له؛ لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها، وهو في سعة من فراقها. اهـ.
والله أعلم.