الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان كان قائل هذا الكلام معاصرًا للرسول صلى الله عليه وسلم أو لصحبه فلا حرج عليه في هذا, فقد كثر ذلك عن السلف, وأقره النبي صلى الله عليه وسلم, كما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: ألا تبايعون رسول الله، وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله، قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، وأسر كلمة خفية: ولا تسألوا الناس شيئًا، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه.
وأما التفدية فهي جائزة للنبي ولغيره من الصحابة أو العلماء, قال النووي في المجموع وفي الأذكار: يستحب إجابة من ناداك بلبيك، وأن يقول للوارد عليه: مرحبًا أو نحوه، وأن يقول لمن أحسن إليه أو فعل خيرًا: حفظك الله، أو جزاك الله خيرًا ونحوه، ولا بأس بقوله لرجل جليل في علم أو صلاح ونحوه: جعلني الله فداك، ودلائل هذا كله في الحديث الصحيح مشهور. اهـ.
ففي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع ضمن حديث طويل قوله - رضي الله عنه - لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرًا حبط عمله. وفي الصحيحين أيضًا عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عبد الله بن قيس، قال: قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله, فداك أبي وأمي، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن سعيد بن جبير، قال: إنا لعند ابن عباس في بيته، إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عباس، جعلني الله فداءك .. أخرجه البخاري، ولم ينكر ابن عباس - رضي الله عنه - على سعيد قوله: جعلني الله فداءك.
قال الشيخ بكر أبو زيد: الذي عليه جماعة أهل العلم أن هذا اللفظ: بأبي وأمي, وقولهم: جعلني الله فداك, وقولهم: نفسي لنفسك الفداء, لا كراهة فيها فتجوز التفدية لمسلم - ثم ذكر الأدلة على ورودها - إلى أن قال: قال السفاريني - رحمه الله - بعد أن ساق الخلاف: (والمعتمد لا كراهة - إن شاء الله تعالى - لصحة الأخبار وكثرتها عن المختار, فإنها كادت تجاوز الحصر), ونحوه لابن القيم, والقاضي عياض, والنووي, والحافظ ابن حجر, وضعف القاضي عياض ما روي عن السلف من كراهتها. أهـ
وأما عن قول المعاصرين بايعناك يا رسول الله, فراجع فيه الفتوى رقم: 187545.
والله أعلم.