الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن منزلة الخلّة أعلى من منزلة الإمامة، لاختصاصه عليه السلام بها بخلاف الإمامة فقد سألها لذريته، حيث قال بعد: إني جاعلك للناس إماما ـ قال ومن ذريتي ـ فكانت النبوة من بعده في نسله، كما قال تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ {العنكبوت:27}.
والأنبياء أئمة يقتدى بهم، أما الخلة فلم يحظ بها إلا اثنان ـ إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام ـ قال الإمام ابن القيم في الجواب الكافي: ثُمَّ الْخُلَّةُ وَهِيَ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْمَحَبَّةِ وَنِهَايَتَهَا، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِي الْقَلْبِ سَعَةٌ لِغَيْرِ مَحْبُوبِهِ، وَهِيَ مَنْصِبٌ لَا يَقْبَلُ الْمُشَارَكَةَ بِوَجْهٍ مَا، وَهَذَا الْمَنْصِبُ خَاصٌّ لِلْخَلِيلَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا: إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا.
فإذا كانت الخلة أعلى من الإمامة ـ كما هو الظاهر ـ فالمظنون أن إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ قد حظي بمنزلة الخلة بعد الإمامة، وذلك أن سنة الله في عباده أن يتدرج بهم في معارج الكمال، فأنال إبراهيم ـ عليه السلام ـ منزلة الإمامة والقدوة، ثم أناله منزلة الخلة، وأما عن تحديد الوقت الذي نال فيه الخليل ـ عليه السلام ـ هاتين المنزلتين الشريفتين: فلا علم لنا به.
والله أعلم.