الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما حكم الإمام مسلم بصحته في كتابه الصحيح، فهو كذلك، وقد تلقته الأمة بالقبول، إلا نزرا يسيرا، وأحاديث معدودة حصل فيها الخلاف.
وقد عقد ابن الصلاح في (صيانة صحيح مسلم) فصلا لذلك قال فيه: جميع ما حكم مسلم بصحته من هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه؛ وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع ... إذا عرفت هذا، فما أخذ عليهما من ذلك، وقدح فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه؛ لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول، وما ذلك إلا في مواضع قليلة. اهـ.
وقد سبق لنا بيان ذلك، فراجع الفتويين: 134033، 122155.
ومن هذه الأحاديث ما انتقده الشيخ الألباني تبعا لغيره من علماء الحديث قديما؛ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 35370. وهذا إنما وقع في أحاديث معدودة، ويبقى أن الأصل هو صحة أحاديث الصحيحين؛ ولذلك قال الألباني في مقدمة تحقيق مختصر صحيح مسلم للمنذري: كنت قد وضعت لنفسي منذ نحو عشرين سنة مشروعا سميته (تقريب السنة بين يدي الأمة) الغاية منه تحقيق ما يمكن من كتب السنة، وحذف أسانيدها بعد تحقيق الكلام عليها لمعرفة ما يثبت من متونها مما لا يثبت، وذلك في غير الصحيحين؛ لتلقي العلماء لهما بالقبول، وسلامتهما من الأحاديث الضعيفة والمنكرة التي كثرت في كتب السنة الأخرى كالسنن الأربعة وغيرها .. اهـ.
وجدير بالذكر أن الحديثين المذكورين في السؤال ليس مما تكلم عليهما الألباني، بل قد صححهما، ورد على من ضعف حديث خلق الله التربة يوم السبت. وإن كان هذا الحديث خاصة مما انتقِد على مسلم إخراجه في الصحيح، وقد اختلف في صحته أهل العلم قديما وحديثا، وأكثر المحققين والجهابذة الكبار على إعلاله كالبخاري وابن معين؛ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 137773. وممن ضعفه من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين كما ذكر السائل.
وأما حديث الرضعات الخمس، فلا نعلم أن الشيخ ابن عثيمين ضعفه، وليس هذا من الأحاديث التي انتقدها الدارقطني على مسلم. والذي قرأناه للشيخ ابن عثيمين هو الاعتماد في الفتوى على حديث عائشة في التحريم بالرضعات الخمس !!
والله أعلم.