الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة: هل يحنث الحالف بفعل بعض ما حلف عنه أم لا يحنث إلا بفعله كله؟ ؛ فذهب المالكية ومن وافقهم إلى أنه يحنث بفعل البعض، جاء في شرح المختصر للخرشي المالكي: وَكَذَلِكَ يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ بَعْضَهُ؛ كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ رَغِيفًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ. وذهب الشافعية والحنفية ومن وافقهم إلى أنه لا يحنث إلا بفعله كله، جاء في كتاب البيان للعمراني الشافعي: إذا قال: والله لا أكلت هذا الرغيف، فأكل بعضه.. لم يحنث، وبه قال أبو حنيفة.
وعن أحمد روايتان؛ جاء في المغني لابن قدامة: إنْ حَلَفَ لَا يَدْخُل، فَأَدْخَلَ بَعْضَهُ، وَلَا يَفْعَلَ شَيْئًا، فَفَعَلَ بَعْضَهُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ..." ثم قال: وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ، لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَفْعَلَهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ. وَالْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالْحَائِضُ مَمْنُوعَةٌ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إنِّي لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُعَلِّمَكَ سُورَةً، فَلَمَّا أَخْرَجَ رِجْلَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَّمَهُ إيَّاهَا. وَلِأَنَّ يَمِينَهُ تَعَلَّقَتْ بِالْجَمِيعِ، فَلَمْ تَنْحَلَّ بِالْبَعْضِ.
ولا شك في أن الاحتياط هنا هو الأخذ بقول من أوجب التكفير، ومحل الخلاف المذكور حيث لم تكن للحالف نية أو قرينة تدل على إرادة الكلّ أو البعض، أما إذا كان للحالف نية أو اقترن باليمين ما يعين إرادة الكل أو البعض فهو المعول عليه، قال ابن قدامة: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ، فَأَمَّا إنْ نَوَى الْجَمِيعَ أَوْ الْبَعْضَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَى. وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِهِ.ولم يتضح لنا المقصود من قولك: لم تظهر نتيجة الفعل.
والله أعلم.