الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا ضابط البدعة في الفتوى رقم 631 فانظرها، ونحن نمنع أن يكون ما ذكرته مما لا يقصد به التقرب إلى الله، فإن التزام المصافحة بعد الصلاة، وقول: تقبل الله أو حرما أو نحو ذلك هو من باب الدعاء، والدعاء هو العبادة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل فيما كان من العبادات أن فاعله يقصد به التقرب إلى الله تعالى، ومن ثم فلا بد أن يكون متلقى عن الشرع المطهر، فإن العبادات مبناها على التوقيف، وكون الصلاة قد انتهت لا ينفي أن إحداث ذكر أو دعاء مخصوص أو التزام فعل معين لم يأت به الشرع مما يعد بدعة، وأما قول المصلي: ربنا ولك الحمد والشكر بزيادة الشكر فغير وارد في الحديث فتركه والالتزام بالمأثور هو الأولى، سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي: رجل عندما يرفع من الركوع يقول: ربنا ولك الحمد والشكر، وهل كلمة الشكر صحيحة؟ فأجاب: لم تَرِد، لكن لا يضر قولها: الحمد والشكر لله وحده سبحانه وتعالى، ولكن هو من باب عطف المعنى، وإن الحمد معناه الشكر والثناء، فالأفضل أن يقول: ربنا ولك الحمد، ويكفي ولا يزيد والشكر، ويقول: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، وإن زاد الشكر لا يضره، ويعلم أنه غير مشروع. انتهى. وانظر الفتوى رقم 123314.
وأما الاحتفال بالمولد النبوي فهم يفعلونه تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيم النبي صلوات الله عليه من الدين الذي شرعه الله لنا، ومن ثم فلا بد أن تكون كيفيته متلقاة عنه صلى الله عليه وسلم، ولا ريب في أن تعظيم النبي صلوات الله عليه وتعزيره وتوقيره مما يتقرب به إلى الله تعالى، فإذا كان على وجه غير مشروع كالاحتفال بالمولد كان بدعة، وهذا بين لا يخفى، فدعوى عدم قصد التقرب إلى الله بالأمثلة المذكورة في السؤال غير مسلمة.
وأما الباب الذي لا تدخله البدعة من المحدثات فهو باب العادات، قال الشاطبي ما مختصره: وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا الْقَيْدِ أَنَّ الْبِدَعَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَادَاتِ، فَكُلُّ مَا اخْتُرِعَ مِنَ الطُّرُقِ فِي الدِّينِ مِمَّا يُضَاهِي الْمَشْرُوعَ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّعَبُّدُ; فَقَدْ خَرَجَ عَنْ هذه التسمية، فمن ذلك اتِّخَاذُ الْمَنَاخِلِ، وَغَسْلُ الْيَدِ بِالْأُشْنَانِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ قَبْلُ، فَإِنَّهَا لَا تُسَمَّى بِدَعًا. انتهى.
والله أعلم.