الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى كلامه ـ رحمه الله ـ أن خوف الصحابة رضي الله عنهم من النفاق على أنفسهم ليس لكونهم موصوفين به، أو قريبين منه، وإنما ذلك لورعهم، وشدة محاسبتهم لأنفسهم، وخوفهم من مقام ربهم .. وهذا في الحقيقة وصف السابقين بالخيرات، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) [المؤمنون].
قالت عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية.. أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد. وصححه الألباني. وقال الحسن البصري: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مُشْفِق وَجِل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.
وراجع الفتوى رقم: 122280.
وهذا قد ذكره الحافظ في شرح باب عقده البخاري في صحيحه للرد على المرجئة، حيث قال: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر. وقال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا. وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل. ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق. وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة؛ لقول الله تعالى: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): هذا الباب معقود للرد على المرجئة خاصة ... وقد جزم ـ يعني ابن أبي مليكة ـ بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال، ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فكأنه إجماع؛ وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص ... اهـ. ثم ذكر العبارة محل السؤال.
وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 68464، 124708 .
والله أعلم.