الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان يبطن ما ينافي الإيمان من الشك أو التكذيب أو الاستخفاف ونحو ذلك مما ينتفي معه عمل القلب، فكفر النفاق يحصل من خلو القلب من الإيمان الصحيح فينتفي بذلك عمله كله أو بعضه الذي لا بد من وجوده، من النية والإخلاص والخوف والرجاء والمحبة والتوكل ونحو ذلك من أعمال القلوب الواجبة، قال الشيخ حافظ حكمي في 200 سؤال وجواب في العقيدة الاسلامية: ما هو كفر النفاق؟ ج: هو ما كان بعدم تصديق القلب وعمله، مع الانقياد ظاهرا رئاء الناس، ككفر ابن سلول وحزبه الذين قال الله تعالى فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ {البقرة: 8 ـ10} إلى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {البقرة: 20} وغيرها من الآيات. اهـ.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق: كفر النفاق هو أن يعترف باللسان ويعمل بشرائع الإسلام ظاهراً، ولا يعتقد في القلب، بل إما يكذب أو يستخف ولكن يعمل خوفاً وتلجئة، فهو النفاق الذي صاحبه في الدرك الأسفل من النار. اهـ.
وقال الشيخ محمد إسماعيل المقدم في سلسلة الإيمان والكفر: كفر النفاق، وفي هذا النوع ينتفي عمل القلب من النية والإخلاص والمحبة، ففي النفاق تنقاد الجوارح الظاهرة، لأن المنافق يظهر شعائر الإسلام، يصلي ويصوم ويزكي ويفعل جميع الأفعال الظاهرة، لكن ينتفي عمل قلبه. اهـ.
وقال في موضع آخر: أما إذا انتفى عمل القلب من النية والإخلاص والمحبة والإذعان مع انقياد الجوارح، فهو يصلي ويصوم ويزكي ويشهد الشهادتين، لكن انتفى عمل القلب، فلا نية ولا إخلاص ولا محبة ولا إذعان بالقلب، فهذا هو كفر النفاق، سواء وجد التصديق المطلق أو انتفى، وسواء انتفى بتكذيب أو شك. اهـ.
وقد عد ابن القيم في مدارج السالكين أنواع الكفر الأكبر خمسة أنواع: كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق، وقال: أما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر... وهو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به، لا يؤمن بأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر جعله رسولا للناس، يهديهم بإذنه، وينذرهم بأسه، ويخوفهم عقابه. اهـ.
وقال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز الجبرين في تسهيل العقيدة الإسلامية: النفاق في اللغة: إخفاء الشيء وإغماضه، وفي الاصطلاح: أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وذلك بأن يكون في الظاهر أمام الناس يدّعي الإسلام، ويظهر لهم أنه مسلم، وربما يعمل أمامهم بعض العبادات كالصلاة والصيام والحج وغيرها، ولكن قلبه ـ والعياذ بالله ـ لا يؤمن بتفرد الله تعالى بالألوهية أو بالربوبية، أو لا يؤمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، أو يبغضه، أو لا يؤمن بكتب الله المنزلة، أو لا يؤمن بعذاب القبر، أو لا يؤمن بالبعث، أو يعتقد أن دين النصارى أو دين اليهود أو دين غيرهم من الكفار حق أو خير من الإسلام، أو يعتقد أن الإسلام دين ناقص، أو لا يصلح للتطبيق في هذا العصر أو يعتقد أن فيه ظلماً لبعض فئات المجتمع، أو فيه ظلم للنساء، أو أن بعض تشريعاته فيها ظلم، أو ليس فيها تحقيق لمصالح العباد، وغير ذلك من الاعتقادات المخرجة من الملة التي سبق ذكرها في الشرك الأكبر والكفر الأكبر. اهـ.
وقد سبق لنا بيان أنواع الكفر الأكبر والأصغر، وذلك في الفتوى رقم: 38537.
والله أعلم.