الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه الكتب مما ينتفع به الناس في دينهم أو دنياهم، واحتسبت الأجر فيها عند الله تعالى، فنرجو أن يحصل لك بها ما احتسبته؛ بل ربما يجري لك نفع هذه الكتب بعد الممات -إذا أجرت عليها- كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.
فعموم هذا الحديث وما جاء في معناه، يدل على أن كل علم مباح يفيد الإنسان في نفسه، أو يفيد الناس من بعده، هو عمل مرغب فيه، مأجور عليه.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن قوله عليه الصلاة والسلام: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به. هل المراد به العلم الشرعي أم العلم الدنيوي؟
فقال في الجواب: الظاهر أن الحديث عام, كل علم ينتفع به، فإنه يحصل له الأجر, لكن على رأسها وقمتها العلم الشرعي, فلو فرضنا أن الإنسان توفي وقد علم بعض الناس صنعة من الصنائع المباحة, وانتفع بها هذا الذي تعلمها فإنه ينال الأجر، ويؤجر على هذا. اهـ.
وجاء في بهجة قلوب الأبرار للسعدي: العلم الذي ينتفع به من بعده: كالعلم الذي علمه.. ، والعلم الذي نشره بين الناس، والكتب التي صنفها في أصناف العلوم النافعة.
وقد قيد الصنعاني في سبل السلام هذا العلم بالأخروي فقال: عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ. الْمُرَادُ النَّفْعُ الْأُخْرَوِيُّ، فَيَخْرُجُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَعِلْمِ النُّجُومِ مِنْ حَيْثُ أَحْكَامُ السَّعَادَةِ وَضِدِّهَا، ويَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَلَّفَ عِلْمًا نَافِعًا، أَوْ نَشَرَهُ فَبَقِيَ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، أَوْ كَتَبَ عِلْمًا نَافِعًا وَلَوْ بِالْأُجْرَةِ مَعَ النِّيَّةِ، أَوْ وَقَفَ كُتُبًا.
وقال الصنعاني في سبل السلام في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علما.
قال: فيه أنه لا يطلب من العلم إلا النافع، والنافع ما يتعلق بأمر الدين والدنيا فيما يعود فيها على نفع الدين. اهـ.