حكم التفريط في النوافل بسبب الحزن على المعاصي

24-10-2013 | إسلام ويب

السؤال:
أنا من النوع الذي إذا أذنبت ذنبا ولو صغيرا، أشعر بضيق شديد في صدري، وأشعر أن الدنيا ضاقت علي من كل جانب، وأحيانا أترك النوافل من كثرة الضيق ولا أصليها.
فهل يمكن أن يكون هذا من تلبيس الشيطان عليَّ حتى يشعرني بما أشعر، ويضيق صدري بدون أي ذنب ارتكبته، وأترك عبادة الله ما عدا الفرائض أو أقصر فيها أم هذا يكون من الله -عز وجل- حتى أستغفره، في حين أني في أي وقت وخاصة حين -ضيق الصدر- أشعر براحة في قلبي بالاستغفار؟
أفيدوني جزانا الله وإياكم كل خير.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:             

 فلا شك أن ارتكاب المعاصي والذنوب له أضرار كثيرة منها: ضيق الصدر، وصرف القلوب عن الحق, وفوات الطاعات.

جاء في الجواب الكافي لابن القيم متحدثا عن عقوبات المعاصي: فَمِنْهَا: الْخَتْمُ عَلَى الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ، وَالْغِشَاوَةُ عَلَى الْأَبْصَارِ، وَالْأَقْفَالُ عَلَى الْقُلُوبِ، وَجَعْلُ الْأَكِنَّةِ عَلَيْهَا، وَالرَّيْنُ عَلَيْهَا، وَالطَّبْعُ، وَتَقْلِيبُ الْأَفْئِدَةِ وَالْأَبْصَارِ، وَالْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، وَإِغْفَالُ الْقَلْبِ عَنْ ذِكْرِ الرَّبِّ، وَإِنْسَاءُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَتَرْكُ إِرَادَةِ اللَّهِ تَطْهِيرَ الْقَلْبِ، وَجَعْلُ الصَّدْرِ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ، وَصَرْفُ الْقُلُوبِ عَنِ الْحَقِّ، وَزِيَادَتُهَا مَرَضًا عَلَى مَرَضِهَا، وَإِرْكَاسُهَا وَإِنْكَاسُهَا بِحَيْثُ تَبْقَى مَنْكُوسَةً. انتهى.

وقال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين متحدثا عن الأسباب المعينة على قيام الليل: الرابع: أن لا يحتقب أي يفعل الأوزار بالنهار فإن ذلك مما يقسي القلب، ويحول بينه وبين أسباب الرحمة. قال رجل للحسن: يا أبا سعيد: إني أبيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعد طهوري. فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك. انتهى.

وعليه فما تشعر به من ضيق في الصدر, وما وقعت فيه من ترك بعض الطاعات، قد يكون من ثمار المعاصي, كما قد يكون من الشيطان, فهو عدو للإنسان حريص على حرمانه من ثواب الطاعات, وإدخال الحزن إلى قلبه.

 جاء في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين: والشيطان يحرص على أن يكون الإنسان دائماً في قلق وفي حزن، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا}، أي: ليدخل عليهم الحزن، قال تعالى: {وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: 10].

والاستغفار له فوائد كثيرة منها: تكفير الذنوب, إزالة الهموم والغموم, وانشراح الصدر.

جاء في الطب النبوي لابن القيم: وَأَمَّا تَأْثِيرُ الِاسْتِغْفَارِ فِي دَفْعِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالضِّيقِ، فَلِمَا اشْتَرَكَ فِي الْعِلْمِ بِهِ أَهْلُ الْمِلَلِ، وَعُقَلَاءُ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ الْمَعَاصِيَ وَالْفَسَادَ تُوجِبُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ، وَالْخَوْفَ وَالْحُزْنَ، وَضِيقَ الصَّدْرِ، وَأَمْرَاضَ الْقَلْبِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَهَا إِذَا قَضَوْا مِنْهَا أَوْطَارَهُمْ، وَسَئِمَتْهَا نَفُوسُهُمُ، ارْتَكَبُوهَا دَفْعًا لِمَا يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الضِّيقِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ. انتهى. 

ونحذر السائل من الوقوع في المعاصي, والآثام. وإذا وقع في شيء من ذلك, فليبادر بالتوبة إلى الله تعالى، والإكثار من الاستغفار, وليجاهد نفسه على ترك الحزن والهم, ولا ينبغى أن تحمله الهموم على التفريط في الطاعات بمختلف أنواعها.
 

والله أعلم.

www.islamweb.net