الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ، أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ؟! لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إِفْرَاغَاتٍ.
فهذا الحديث فيه أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنكرت على عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ ما ذهب إليه من أن على المرأة في غسل الجنابة نقض ضفائر شعرها، وبينت أنه ليس عليها أن تنقضه لغسل الجنابة، قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في كشف المشكل من حديث الصحيحين: وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: بلغ عَائِشَة أَن عبد الله بن عَمْرو يَأْمر النِّسَاء إِذا اغْتَسَلْنَ أَن يَنْقُضْنَ رؤوسهن، فَقَالَت: يَا عجبا لِابْنِ عَمْرو، أَفلا يَأْمُرهُنَّ أَن يَحْلِقن رؤوسهن؟! نقض الرَّأْس: هُوَ حل الشّعْر، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أم سَلمَة: إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي، أفأنقضه لغسل الْجَنَابَة؟ فَقَالَ: لَا، وَفِي لفظ: أفأنقضه للحيضة وللجنابة؟ فَقَالَ: لَا.
وَاعْلَم أَنه مَتى كَانَ الشّعْر مضفورا ضفرا قَوِيا يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى بَاطِنه وَجب حلّه... فَأَما إِذا لم يكن ثمَّ مَانع وَلَا قُوَّة ضفر اسْتحبَّ لَهَا أَن تنقض شعرهَا للْحيض دون الْجَنَابَة، قَالَ ابْن عقيل: وَهَذَا على وَجه الِاسْتِحْبَاب، لِأَن الْحيض لَا يتَكَرَّر، قَالَ: وَظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وجوب ذَلِك. انتهى.
والله أعلم.