الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتركك مهنة التدريس - والحال هذه - لا يعد عقوقًا؛ لأن العقوق المحرم - كما عرفه الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه -: وأما أن العقوق ما هو؟ فإنا قائلون فيه: العقوق المحرم: كل فعل يتأذى به الوالد أو نحوه تأذيًا ليس بالهين, مع كونه ليس من الأفعال الواجبة. انتهى
وإذا لم تكن طاعة الوالدين واجبة, فلا تكون مخالفتهما عقوقًا، وإنما تجب طاعتهما بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون في غير معصية.
الثاني: أن يكون لهما غرض صحيح من الأمر بترك المندوب والمباح, أو الأمر بمقارفة المكروه.
الثالث: أن لا يكون في ذلك ضرر على الولد فيما أمراه به.
وقد نص على هذه الشروط طائفة من أكابر العلماء والمجتهدين نقلنا أقوالهم باستفاضة في الفتوى رقم: 76303.
وهذه الشروط منتفية في حق الأخت السائلة ـ أعاناها الله ـ:
أما الشرط الأول: فلأن غرس القيم المخالفة للإسلام في الجيل معصية خطيرة, يتحمل وزرها كل من ساهم في ذلك, والله يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}،
وأما الشرط الثاني: فلا يبدو أن تركك العمل يفوت على الوالدين غرضًا صحيحًا, يتأذيان منه, خاصة أن شرف الأمومة, وحسن التبعل أرفع من شرف تدريس المناهج المذكورة.
وأما الشرط الثالث: فقد ذكرت ما تعانينه من مشاق وعناء من جراء العمل مع الحمل. وهذا لا يخلو من ضرر عليك. أو على الحمل, خاصة أنك حديثة عهد بزواج.
هذا مع ما سبق من وعد أبيك لك بألا يتدخل في شأن عملك بعد زواجك, ولا شك أن إخلاف الوعد مذموم, غير أنه يتعين عليك السعي لإرضائهما, وإقناعهما, وتنفيس غضبهما, ونيل رضاهما من كل سبيل, وأن تسألي الله أن يرضيهما عنك, فإن قلوبهما بيد الله سبحانه وتعالى.
والله أعلم.