الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز تكفير مسلم إلا إذا توافرت فيه الشروط التي تستلزم كفره، وانتفت الموانع التي تمنع من تكفيره، ومن القواعد الكلية في هذا الباب ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: من ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة. انتهى.
وقال أيضا رحمه الله تعالى: يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فكفر أهلها المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم. انتهى.
فإذا تقرر أنه لا يجوز للمسلم أن يكفر مسلما إلا ببينة واضحة، وبعد إقامة الحجة عليه، فكذلك لا يجوز اعتقاد كفره أو الشك فيه وهو مسلم موحد، فإن هذا من الاعتقاد الباطل في أخيه المسلم، وهو من أعظم إساءة الظن به.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
ففي هذا الحديث من الزجر عن تكفير المسلمين عامة ما يكفي المسلم ويردعه، والمقصود منه التغليظ والزجر عن تكفير المسلمين، لا أن من كفّر مسلما يكون بذلك كافرا كفرا أكبر مخرجا عن الملة إذا لم يكن صاحبه كذلك، بل الأمر كما قال ابن قدامة ـ رحمه الله تعالى ـ في المغني: هذه الأحاديث على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على وجه الحقيقة. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في فتح الباري: التحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم.. وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به، وقيل: يخشى عليه أن يؤول به ذلك إلى الكفر، كما قيل: المعاصي بريد الكفر، فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة، وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر فإنه يكفر بذلك.. فمعنى الحديث: فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفر نفسه، لكونه كفر من هو مثله ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن في بعض طرقه: وجب الكفر على أحدهما. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 53835، ورقم: 721.
والله أعلم.