الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرته لا يقع بشيء منه طلاق، والحال التي وصفتها في سؤالك هي حال من ابتلي بداء الوسوسة، والمبتلى بالوسواس لا يقع منه الطلاق، ولو نطق بلفظه صريحا، ما لم يرده، ويقصده قصدا حقيقيا في حال طمأنينة، واستقرار بال؛ وذلك لأنه مغلوب على أمره في غالب أحواله.
قال الإمام الشافعي في كتابه الأم: ومن غلب على عقله بفطرة خلقة، أو حادث علة لم يكن سببا لاجتلابها على نفسه بمعصية، لم يلزمه الطلاق، ولا الصلاة، ولا الحدود وذلك مثل المعتوه، والمجنون، والموسوس، والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله. فإذا ثاب إليه عقله، فطلق في حاله تلك، أو أتى حدا أقيم عليه، ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق. فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه. اهـ.
ومن باب أولى أن تحديث الموسوس نفسه بالطلاق لا يقع به الطلاق، وكذلك شكه في التلفظ بالطلاق لا يترتب عليه شيء. وأما قول الرجل: كنت متزوجة، فلا يقع به الطلاق مطلقا؛ لأنه ليس من صريح ألفاظ الطلاق، ولا من كناياته. وانظر الفتوى رقم: 215830 .
ونختم بسَوق هذه الفتوى لابن عثيمين حول طلاق الموسوس، يقول فيها: ونصيحتي لهذا الأخ الذي ابتلي بهذا الوسواس في طلاق امرأته: ألا يلتفت إلى ذلك أبدا، وأن يعرض عنه إعراضا كليا. فإذا أحس به في نفسه، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم حتى يبعده الله عنه. أما من الناحية الحكمية: فإن الطلاق لا يقع بهذه الوساوس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) فما حدث الإنسان به نفسه من طلاق أو غيره، فإنه لا يعتبر شيئا. وإذا كان طلاقا فإنه لا يعتبر حتى لو عزم في نفسه على أن يطلق لا يكون طلاقا، حتى ينطق به فيقول مثلا: زوجتي طالق. ثم إن المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به في لسانه، إذا لم يكن عن قصد؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة بل هو مغلق مكره عليه؛ لقوة الدافع، وقلة المانع. وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا طلاق في إغلاق) فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة. فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه الإنسان بغير قصد ولا اختيار، فإنه لا يقع به طلاق .اهـ. من فتاوى نور على الدرب.
والله أعلم.