الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يرحم أخاك، وأن يحسن عزاءك فيه، ويسليك عنه بالصبر الجميل، ويرزقه الجنة.
واعلم أن من قتل من المسلمين ظلًما في مثل هذه المصادمات فنحسبه شهيدًا عند الله تعالى في الآخرة، وهو ما يعرف بشهيد الآخرة فقط؛ لأن أحكامه في الدنيا تختلف عن الشهيد الذي هو قتيل الكفار في الحرب, خلافًا لمذهب الحنابلة الذي سيأتي ذكره لاحقًا.
فأحكام من قتل من المسلمين ظلمًا في الدنيا أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه, شأنه شأن موتى المسلمين، ففي مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: ومن المدونة قال مالك: وأما من قتل مظلومًا، أو قتله اللصوص في المعترك، أو مات بغرق، أو هدم: فإنه يغسل ويصلى عليه, وكذلك إن قتله اللصوص في دفعه إياهم عن حريمه. انتهى.
وفي إعانة الطالبين: وأما شهيد الآخرة فقط فهو كغير الشهيد, فيغسل, ويكفن, ويصلى عليه, ويدفن, وأقسامه كثيرة, فمنها: الميتة طلقًا, والمقتول ظلمًا. انتهى.
وحيث إنه قد مضى ما يقرب من العام على دفن أخيك، فإنه لا ينبش القبر للتغسيل لعدم إمكانية غسله, قال ابن قدامة - رحمه الله - في المغني: وَإِنْ دُفِنَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ, أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ, نُبِشَ, وَغُسِّلَ, وَوُجِّهَ, إلا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَسَّخَ, فَيُتْرَكَ, وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي ثَوْرٍ. انتهى.
وكذلك لا ينبش القبر لأجل التكفين، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَصَحِّ, وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ دُفِنَ الْمَيِّتُ بِغَيْرِ كَفَنٍ لا يُنْبَشُ قَبْرُهُ، وَعَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ السَّتْرُ، وَقَدْ حَصَلَ التُّرَابُ مَعَ مَا فِي النَّبْشِ مِنَ الْهَتْكِ لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ. انتهى.
وأيضًا لا ينبش إذا لم يصل عليه، وإنما يصلى على القبر، ففي الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ, وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ, اخْتَارَهَا الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ لا يُنْبَشُ قَبْرُ الْمَيِّتِ مِنْ أَجْلِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ, مَعَ إِمْكَانِيَّةِ الصَّلاةِ عَلَى الْقَبْرِ. انتهى.
وما سبق من تفصيل هو مذهب الجمهور في أن من قتل ظلمًا فإن حكمه حكم شهيد الآخرة فقط.
وأما الحنابلة فيرون أن المقتول ظلمًا شهيد في أحكام الدنيا والآخرة معًا، فلا يغسل, ولا يكفن, ولا يصلى عليه، قال في كشاف القناع: ومن قتل مظلوًما، حتى من قتله الكفار صبرًا في غير الحرب ألحق بشهيد المعركة في أنه لا يغسل ولا يصلى عليه. انتهى.
وعليه, فما فعلته بأخيك يكون موافقًا لمذهب الحنابلة, وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 187699.
والله أعلم.